هل سيتخلى الآيسلنديون عن لغتهم في القريب لصالح اللغة الإنكليزية؟
الثالث 25 أغسطس 2015
أعدّ باتريك كوكس هذا المقال مع تقرير الراديو لصالح العالم في كلمات وظهر لأول مرة على موقع PRI.org بتاريخ 3 حزيران/يونيو 2015، ويُعاد نشره هنا وفق اتفاقية مشاركة المحتوى.
يون غنار ويُعرف بشكل أفضل باسم الكوميدي الذي أصبح محافظا لمدينة ريكيافيك، محبٌ شغوف للغة الآيسلندية ويخاف على مستقبلها.
يقول: “أعتقد بأن اللغة الآيسلندية لن تدوم طويلًا وسوف نتبنى اللغة الإنكليزية في هذا القرن غالبًا، وأعتقد بأن ذلك لا مفر منه”.
إن هذا العرض ليس شاذا عن الواقع فبعض علماء اللغة يعتقدون بأن خسارة اللغة الآيسلندية أمام اللغة الإنكليزية إحتمالية واضحة. “آري بال كريستنسون” من بين هؤلاء المختصين وهو مسؤول عن تخطيط اللغة في معهد “آرني ماغنيسون” للدراسات الآيسلندية، وكالة أبحاث اللغة الحكومية الآيسلندية.
يقول كريستنسون:” اللغة الإنكليزية في كل مكان في الوقت الحالي، منذ لحظة استيقاضنا حتى لحظة موتنا”.
يقصد ذلك يمعنى حرفي. الوِلادات تحدثُ بمساعدة أجهزة طبية تعليماتها باللغة الإنكليزية، لذلك يجب على موظفي المشفى أن يعرفوا كيفية قراءة الإنكليزية. وفي الجنازات غالبًا ما يتذكر الأصدقاء وأفراد العائلة فقيدهم بوساطة أغانٍ غُنيتْ باللغة الإنكليزية.
إنه لحدث عظيم، أن تشهد مجموعة من علماء اللغة إقصاء لغتهم الأم، وإنه لأمر مؤثر للآيسلنديين.
خذ بعين الإعتبار هذه الدراسة الإستقصائية عن اللغة الآيسلندية التي أجرتها زوزانا ستانكوفيتسوفا، سلوفاكية الأصل والتي عاشت في ريكيافيك خلال السنوات القليلة الماضية، حيث شعرتْ بأن لدى الآيسلنديين مشاعر قوية تجاه لغتهم. ولإختبار ذلك قامت بسؤال سلوفاكيين وآيسلنديين أن يعرّفوا قوميتهم.”
معظم السلوفاكيين أجابوا: ” أنا سلوفاكي لأن والديَّ سلوفاكيان” أو ” أنا سلوفاكي لأنني وُلدتُ في سلوفاكيا”.
الآيسلنديون أجابوا بشكل مختلف ولطالما ظهرت بين أسطر اجاباتهم أنْ: “أنا آيسلندي لأنني أتكلم اللغة الآيسلندية.”
الأرض، الأمة واللغة الأم
يتذكرُ معظم الآيسلنديين الكبار غناءهم لأغنية مدرسية اسمها “الأرض، الأمة واللغة الأم”. الأغنية مبنية على قصيدة كتبها الشاعر سنوري هيارتارسون في عام 1952 عندما أصبحت آيسلندا أمة جديدة.
إن “الأرض، الأمة واللغة الأم” تُمثلُ ثالوثا مقدسًا، لا يقصد الثالوث المقدس المعروف إنما بشكل مشابه على نفس المستوى. يقول كريستنسون إن هذا الإحساس الوطني غُرِسَ فيه منذ الطفولة.
.”إذا فقدنا اللغة الآيسلندية لن يكون هناك أمة آيسلندية وإذا لم يكن هناك أمة آيسلندية لن يكون هناك سيادة آيسلندية”
اكتسبت آيسلندا استقلالها عن الدنماركية خلال الحرب العالمية الثانية وأصبح الثالوث المقدس في مكانه الصحيح أخيرًا. لكن بعد الاستقلال مباشرة جاء تحدي اللغة. رغم أنه لم يعترف به في ذاك الوقت إلا أن التحدي كان بشكل 40،000 جندي أمريكي أرسِلوا إلى آيسلندا خلال الحرب. القوات الأمريكية لم تغادر بشكل نهائي إلا في عام 2006.
بحلول ذلك الوقت كان الآيسلنديون يتحدثون اللغة الانكليزية بطلاقة إلى جانب لغتهم الأم.
لقد تغيرت كل الأمم بتأثير التحضر، السفر بالطائرة وتلفزيون الأقمار الصناعية والإنترنت، لكن يمكن القول بأن تغير آيسلندا كان بشكل أكبر وأسرع.
انقضت العزلة التي كانت قد فعلت الكثير لحماية اللغة.
يقول غنار:”عندما كنتُ صغيرًا كان عدد قليل من الناس يتحدثون الإنكليزية، لكن تزامنا مع جيلي أنا ومن خلال التلفاز والأغاني أصبح فهم الانكليزية أمراً ضروريًا”.
أطفال غنار يتحدثون اللغة الإنكليزية أفضل بكثير مما يتحدثها هو، ويتحدثون مع الأصدقاء حول العالم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
يقول غنار:” لكنهم لا يتحدثون الآيسلندية كما أتحدثها أنا، إنه تغيير جذري في مدة زمنية قصيرة”.
يعتقد اللغويون الأصوليون، ويوجد الكثير منهم في آيسلندا، أن الفرصة الوحيدة للنجاة عن طريق مقاومة الكلمات الإنكليزية المستوردة والتمسك باللغة القديمة وقواعدها. في النهاية هذا ما يجعل آيسلندا متفردة.
( هذه بعض محاولات الآيسلنديين لتجديد اللغة عن طريق إعادة تدوير الكلمات القديمة) إذا انتهتْ الكلمات إلى شكل يشابه لغاتٍ أخرى فإن الشعب سيكونون أقل ميلًا إلى تقديرها. هنا تكمن جدلية الموضوع.
تقول لاريسا كايزر الأمريكية التي تسكن في ريكيافيك وتدرس الآيسلندية: “أعتقد بأن المواطنين وخصوصًا الكبار في العمر متشككون حيال استخدام اللغة الإنكليزية”.
لاحظتْ كايزر مجهودًا كبيرًا لجعل الآيسلنديين فخورين بلغتهم. “يحتوي برنامج ما بعد المدرسة حيث أعمل الآن كل هذه المحفزات على الحائط: (الآيسلندية هي لغتنا الأم). تقول كايزر:” كان عندي أستاذة كانت تخبر أولادها بأنهم يستطيعون السباب بقدر ما يريدون طالما أنهم يستخدمون اللغة الآيسلندية”.
إلى أين تسير اللغة الآيسلندية؟
هناك إحتمالات عديدة بالنسبة لمستقبل اللغة الآيسلندية، هنا خياران اثنان:
الإحتمال الأول يستنفع من تقديس الآيسلنديين لنقل القصص، من القصص الملحمية في السنوات الغابرة وصولًا إلى العدد المذهل للكُتّاب في وقتنا الحالي.
يعتقد بعض علماء اللغة بأن نقطة اللارجوع بالنسبة لللغة الآيسلندية -اللحظة التي تخرج الآيسلندية من قلوب الآيسلنديين حقيقةً- عندما يتوقف شعراء وروائيوا الأمة عن الكتابة بالآيسلندية.
سفيرير نوردلاند لديه بعض الخبرة في هذا الجانب.حيث غادر وطنه لأجل ورشة كتابة إبداعية في لندن.
“لأسباب واضحة اضطررتُ للكتابة باللغة الإنكليزية”.
شعرتُ بالزيف في البدء لكن فيما بعد شعرت بالتحرر، وهذا يذكرني باقتباس ينسب إلى بيورك، حيث قالت شيئًا مشابهًا : ‘عندما بدأتُ بالغناء بالإنكليزية شعرتُ بأنني أكذب، هذا شيء سيء للغاية ولكنه في الوقت نفسه شعور يشبه التحرر حيث يمكنك أن تصبح أي كائن تريد’. يقول نوردلاند.
يمكنك أن تدّعي بأنك لستَ آيسلنديًا.
نوردلاند لم يذهب إلى ذلك الحد، في الحقيقة، هو يكتب باللغة الآيسلندية مجددًا. لكن هل سيكتب يومًا ما رواية باللغة الإنكليزية؟ هو يقول بأن ذلك ليس شيئا مستحيلا.
لذا هذا هو الاحتمال الأول، أن ينتقل الكُتّاب إلى الكتابة باللغة الإنكليزية و يرسلوا رسالة قوية إلى قُرائهم في آيسلندا.
هنا الاحتمال الثاني، الأكثر ورديّة: الهجرة قد تعطي اللغة الآيسلندية دفعة إلى الأمام.
في مدينة فلوذير الصغيرة على الجانب الآخر من سلسلة جبال ريكيافيك، آزيب كاسي وهي إحدى مالكي المطعم الأثيوبي مينيليك، لغتها الأم هي الأمهرية. لقد عاشت في آيسلندا لمدة سبع سنوات و تقول بأنها أتقنت اللغة الآيسلندية بسرعة كبيرة.
تقول: “بأنها متقنة للآيسلندية أكثر من الإنكليزية.” تماما مثل زوجها الآيسلندي حيث يتحدثان مع بعضهما بواسطة الآيسلندية.
كاسي، على الأغلب، هي الأثيوبية الوحيدة في العالم التي تتقن الآيسلندية بشكل أفضل من الإنكليزية.
يقدر الآيسلنديون المهاجرين الذين أتقنوا لغتهم الأم أمثال كاسي ولكن في الوقت نفسه يخاف المتمسكون بالتقاليد من تحريف المهاجرون لللغة.
يعتقد الآخرون بأن المهاجرين هم الحل لإنقاذ اللغة.
تقول الروائية أوذر آفا أولافسدوتير: ” أنا أنتظر اليوم الذي يكتب فيه المهاجرون الأدب وفق نسختهم من اللغة الآيسلندية، مشكلين كلمات جديدة. هكذا يجب أن تكون اللغة، حية، مبدعة مبتكرة” بشكل مشابه للغة الملاحم في القرون الماضية.
تتقن الروائية لغات عديدة لكنها تفضل الكتابة بلغتها الأم وتقول:” أعتقد بأن العالم يحتاج قصصا تُروى باللغة الآيسلندية.” وهذا ما تفعله الروائية بنفسها.
إثنتان من رواياتها تُرجمت إلى اللغة الإنكليزية، إحدى الرواياتين “ الفراشات في تشرين الثاني/ نوفمبر” هي ملحمة بطولية طريفة حزينة. تستطيع أن تشعر بتأثير البطولات القديمة.
يعتقد سفيرير نوردلاند، الكاتب الذي كتب بالإنكليزية والذي عاد إلى الكتابة بالآيسلندية، أن الهوية الآيسلندية تأتي بكتابة اللغة والتكلم بها.
“إذا كنتُ أروي قصة باللغة الآيسلندية فإنا أفكر بالقرّاء الآيسلنديين، وأعتقد بأنهم يشاركونني خبرةً مشابهةً ومعرفةً بالأشياء التي أحكي عنها، ولكن إذا كنتُ أكتب باللغة الإنكليزية عن الآيسلنديين سأشرحُ وقتها كل الأشياء المختلفة، سيتحول السرد إلى شيء مختلف تماما”.
العالم في كلمات على فيسبوك و آي تيونز.
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «هل سيتخلى الآيسلنديون عن لغتهم في القريب لصالح اللغة الإنكليزية؟». الأصوات العالمية. 25 أغسطس - آب 2015.
شارك الخبر:
|