هل جيل المدونين العرب محظوظ فعلًا؟
الأربعاء 16 أبريل 2014
“لقد أنعم الله على جيلك. الجميع لديه هاتف الآن، ويمكن الوصول للإنترنت في كل مكان، والفضائيات متوفرة في كل بيت تقريبًا. ماذا تريد بعد؟”
جاءتني هذه التصريحات من قبل سائق سيارة أجرة أردني في منتصف العمر الذي أخذني من مطار عمان إلى ملتقى المدونين العرب الشهر الماضي. كنت أحاول أن أشارك معه إحباطي عن حالة حرية التعبير في العالم العربي.
قد اتفق مع تعليق الرجل لو التقيته قبل ثلاث سنوات، أما اليوم فإن هذا التعميم خاطئ، خاصة عندما يفكر البعض منا كيف للتكنولوجيا أن تغير الأمور.
صحيح أن تكنولوجيا الاتصالات أحدثت ثورة في الطريقة التي نعلم بها الأخبار أو الطريقة التي تنشر الأفكار -أو حتى الطريقة التي نتعامل بها مع بعضنا البعض حتى أبدت السنوات السابقة أنها نجحت أخيرًا في كسر جدار الخوف والرقابة التي ابتليت بها المنطقة العربية على مدى عقود. في حين سمحت منصات وسائل الإعلام الاجتماعية والمدونات والتوافر المتزايد للهواتف الذكية لجيل من المواطنين الصحفيين أن يراسل ويكتب التقارير ويعمل على تعبئة وتنظيم النشطاء على مستوى لم تشهده المنطقة منذ عقود.
بدا للناس أنه لم يعد ما يدعو للقلق من الرقابة وسيطرة الحكومة على وسائل الإعلام. كنا نحن وسائل الإعلام. وأعتقد الكثير منا أن مجرد الوصول إلى وسائل الاتصال الحديثة قد يكون الحافز الذي يسمح لموجة واسعة من الاحتجاجات على الاستمرار، بوتيرة يمكن لها النجاح. اليوم، الكثير منا ليس على استعداد لدعم هذا الافتراض.
تحديات جديدة
تغيرت التحديات التي تواجه المدونين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى حد كبير منذ ذلك الحين.
(المدون هنا لا يعني فقط الشخص الذي يملك مدونة، إنما أي شخص يستخدم الإنترنت للمشاركة السياسية أو المدنية).
منذ آخر اجتماع المدونين العرب في تونس في عام 2011، ظهر تغييرين رئيسيين على الأقل:
من جهة أولى، لم يعد يتوقع من المدون أن يكون “مجرد” معلق على الأحداث. التحول من مراقب بسيط لمشارك نشط، اضطر الكثير منهم للتكيف مع واقع جديد، أكثر تعقيدًا على المستوى السياسي المطلوب منهم.
أدى هذا لتبني مجموعة كاملة من المهارات والموارد الجديدة لأشخاص أكثر نشاطًا، أكثر نفوذًا أو أولئك الذين حركتهم الثورة ولم يكن لديهم الأدوات الضرورية. بدا أنه للحصول على إجابات وأفكار وإجراءات للعديد من المجالات وسبل أكثر مما كانت عليه من قبل. كل هذا في منطقة تتغير الأشياء بسرعة وكثير من الأحداث كل يوم، فإن المهمة يمكن أن تبدو ساحقة – للشلل تقريبًا.
أعلم أن هذا قد تسبب في تساؤل العديد من حولي كل عن دوره. وأعلم أيضًا أنه كان مدعاة للإحباط إزاء نقص الموارد للناشطين المؤيدين للديمقراطية وصعوبة الوصول إليها. البعض منا لم يستطع التغلب عليها وتخلى عن المحاولة. حتى أن البعض أوقف نشاطه على الإنترنت.
ثانيًا، تحولت طبيعة التهديدات ضد حرية التعبير على الإنترنت أيضًا: استندت الحكومات في المنطقة، قبل الثورات، لفكرة أن تصفية الإنترنت هو السبيل الأساسي لخنق حرية التعبير على شبكة الإنترنت.
ولكن يبدو الآن أنها قد تعلمت درسا جديدًا: قد تكون الرقابة رخيصة وفعالة، ولكن من السهل فضحها نسبيًا. المراقبة من ناحية أخرى أكثر مكرًا ومن الصعب كشفها.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، أصبحت المراقبة الإلكترونية وتكنولوجيا الاعتراض من أساسيات اللعبة. وانتشرت سوق بمليارات الدولار وبدت العديد من الحكومات في المنطقة سعيدة بجني نتائجها. اليوم، مع استثناءات قليلة جدًا، فإن الكثير من هذه الحكومات تنفق مبالغ ضخمة من المال على المراقبة الإلكترونية و تكنولوجيا الاعتراض الباهظة التي وضعت من قبل شركات غربية خاصة.
نأخذ حالة بلدي، المغرب، على سبيل المثال:
في عام 2012، اشترت البلاد -بمبلغ مليوني دولار أميركي- برنامج يسمى مشروع الفشار، الذي وضعته الشركة الفرنسية Amesys. يقال أنه قادر على اعتراض ومراقبة جميع أنواع الاتصالات على في جميع أنحاء البلاد.
في العام نفسه، دخل “ دا فينشي” مجموعة مغربية ناشطة على الانترنت، وهو فيروس متطورة بقيمة نصف مليون دولار أمريكي وضعتها شركة مقرها ميلانو، تدعى “فريق القرصنة”. يقال أنه قادر على التغلغل في أي نظام تشغيل، السيطرة على أجهزة الكمبيوتر المستهدفة على وجه التحديد ونقل السجلات وملفات المفاتيح الخاصة إلى المخدم البعيد.
نعرف جميعًا، أن هذا ليس سوى غيض من فيض .
تم وضع علامة على حالات مماثلة في أماكن مثل البحرين والإمارات العربية المتحدة وسوريا ومصر والقائمة في تزايد.
نتيجة لذلك، في حين لا تزال الرقابة سلاحًا رئيسيًا ضد حرية التعبير في المنطقة، أصبحت المراقبة الإلكترونية، مع تأثير سلبي على حرية التعبير، تشكل تهديدًا خطيرًا.
ليس من المستغرب أنه بعد ثلاث سنوات من بدء الثورات العربية، وحالة حرية التعبير على الإنترنت في المنطقة تكاد تبدو قاتمة كما كانت قبل عام 2011 .
زرع البذور من أجل مستقبل أفضل
كيف يمكننا التعامل مع الواقع الجديد؟ هل هناك أي أشكال جديدة ومبتكرة من النشاط على الإنترنت التي نجحت في السنوات الثلاث الماضية يمكننا أن نتعلم منها؟
كيف يمكننا أن نلعب دورًا فعالًا في تحسين وضع حرية الإنترنت في بلداننا؟ وإلى أي مدى يمكننا الاعتماد على التكنولوجيا لحمايتنا عبر الإنترنت؟
هذه ليست سوى بعض من الأسئلة التي طرحها المشاركون في اجتماع المدونين العرب الرابع (#AB14) .
لمدة أربعة أيام، جذب الاجتماع (الذي شاركت في تنظيمه دفاع الأصوات العالمية، ومؤسسة هاينريش بول) 70 من المدونين والناشطين والفنانين والمدربين الذين جاؤوا من جميع أنحاء العالم، من بينهم 16 دولة عربية. المشاركين، من أمثالي، كانوا يحملون العديد من الأسئلة وحريصون على تبادل قصصهم ومهاراتهم وأيضًا التعلم من أقرانهم.
لعل الدرس الأكثر أهمية أنه على الرغم من وجود واسع لوسائل الاتصال الحديثة في المنطقة اليوم، يبدو أنها تعمل فقط في محيطها وليس بالضرورة عاملًا رئيسيًا من أجل التغيير كما كان الكثير منا يعتقد منذ ثلاث سنوات.
هناك حاجة لإيجاد سبل للتواصل والجمع بين النشاط على الإنترنت مع جهود الناس “على الأرض” الذين يعملون تقليديًا لإحداث تغيير في العالم الحقيقي. وأن عملية التغيير تعمل فقط عندما تنجح التكنولوجيا في تعبئة وتنظيم القطاع الأوسع والمتنوع من المجتمع.
يخوض المدونون العرب اليوم معركة صعبة — حرب غير متكافئة، حيث لم تعد مسألة الحصول على التكنولوجيا وحدها، ولكن أيضا أكبر، سؤال أكثر جوهرية عن حقوق المستخدم، عن كيفية حكم التكنولوجيا وعما إذا كانت حرة من تدخل الحكومة.
الشعور المشؤوم أن هناك شخصًا يراقب على أكتافنا يجعل من الصعب، حتى بالنسبة لأكثر جرأة بيننا، على العمل بحرية.
ولكن هذه ليست معركة خاسرة. قد لا نكون جيلًا محظوظًا بعد كل شيء، ولكن أشعر كما AB14، من خلال اجتماعنا معًا قد ننجح في زرع بذور لمستقبل أفضل.
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «هل جيل المدونين العرب محظوظ فعلًا؟». الأصوات العالمية. 16 أبريل - نيسان 2014.
شارك الخبر:
|