موت “عرفان مسيح” عامل نظافة في باكستان

من ويكي الأخبار

السبت 5 أغسطس 2017


توفي عرفان مسيح بعد رفض الأطباء علاجه في مستشفى ريفي حكومي بمدينة عمر كوت بباكستان في بداية هذا الشهر.

جُلب عرفان مسيح عامل النظافة للمستشفى بعد أن فقد وعيه أثناء تنظيف المجاري الرئيسية في مدينته، وزعم الأطباء المتواجدون في المستشفى أنهم رفضوا علاجه لأنه كان غارقًا في مخلفات المجاري وبالتالي لم يكن نظيفًا، وصرحت والدة عرفان لوسائل الإعلام أن الأطباء كانوا صائمين لشهر رمضان الكريم واعتقدوا أن مجرد لمس الرجل الموشك على الموت ناهيك عن علاجه سيبطل صيامهم لذلك فضلوا تركه يموت.

مسّت هذه الحادثة هويتي كمدافعٍ عن حقوق الإنسان ومؤيد للصحة العامة العالمية وطبيب ومن الأقلية الباكستانية فهناك الكثير مما يقال عن كمية التعصب واللاإنسانية التي أدت لحدوث شيءٍ كهذا، لكن الأسوأ أنه بالنظر إلى البنية التحتية للمجاري في كل أنحاء باكستان ستجد أن التعصب نظاميّ الأساس.

كما تعتبر وظيفة النزول إلى ما تحت الأرض لتنظيف المجاري والحفاظ على استمرار عملها مقتصرةً على عمال النظافة المنتمين للأقلية المحرومة أو المسيحية بمعنى آخر أمثال عرفان مسيح منذ بداية كون باكستان أمة عام 1947.

سقط عرفان مسيح ذو الثلاثين عامًأ مغشيًا عليه مع ثلاثةٍ آخرين من عمال النظافة أثناء تنظيفهم فتحة مجاري في مدينة عمر كوت والتي تعتبر واحدةً من من أكثر مدن باكستان تنوعًا دينيًا، ومات في مستشفى بعمر كوت بينما أرسل زملاؤه الثلاثة – المسيحيون أيضًا – إلى مستشفيات مدنية أكبر للعلاج.

يقع جزءٌ من المشكلة في التعصب النظامي الذي ظهر في موت عرفان مسيح لكن جزءًا آخر منه يقع في نقطةٍ أبرزها خطابٌ كتبه ألبرت ديفيد رئيس حركة الوحدة المسيحية في باكستان ينص على: “فقد عددٌ من عمال النظافة حياتهم عبر السنين في كل أنحاء باكستان وهم يحاولون تنظيف قنوات المجاري المسدودة بسبب تصرفاتٍ غير مسؤولةٍ من المدنيين وعجز تنظيمٍ من الحكومة”.

نحن كباكستانيين، نُخرج الفضلات من بيوتنا لنظام الصرف الصحي التحتي وهناك يطلب من عمال النظافة القيام بعملهم، ينقسم عملهم إلى جزئين الأول: هو تنظيف المجاري بحمايةٍ ضئيلةٍ أو بدونها على الإطلاق وبلا تهيئةٍ أو معرفةٍ بالمخاطر التي يتضمنها عملهم وبلا رعايةٍ طبيةٍ كذلك. وثانيًا يتضمن عملهم ذاك الحفاظ على استمرارية نظافة نظام الصرف الصحي للقيام بدوره الطبيعي مما يجنب السياسيين استثمار أية أموالٍ في تحسين النظام الهندسي للمكان والذي يعتبر جزءًا من نظام الصرف الصحي بأكمله.

كل مجتمعٍ بشريٍ سواءً كان مجمعًا صغيرًا أو مدينةً كبيرةً يملك نظام إدارة مياه بثلاثة أجزاء: مصدر المياه والذي يصب في نظام توصيل وإمداد المياه وفي النهاية نظام الصرف الصحي.

فالمياه تشكل أساسًا مهمًا في حياتنا ونحتاجها للبقاء على قيد الحياة بجانب استخدامها في العديد من أنشطتنا الحياتية اليومية، ونحتاجها كذلك للتخلص من بعض المنتجات النهائية وإعادتها على الصعيد المنزلي والصناعي الداخلة في العديد من عملياتنا الحيوية، فالتخلص من المخلفات بالمياه يؤدي لتكسير جزيئاتها وإنتاج عناصر ومواد هي الوحدات الأساسية للحياة مغلقةً حلقتها، فنحن نبدأ حياتنا بالأخذ من المياه وننهيها بالعودة للمياه ثانيةً.

تشكل أعمال التنظيف التي تمت الإشارة إليها في خطاب ألبرت ديفيد معظم أساسات البنية التحتية للإنسان المعاصر، فبدون التخلص المستمر والآمن من البول ستعاني أجسادنا من الأمراض الحادة والمزمنة وصولًا إلى الموت في النهاية بالتسمم من فضلاتنا. وبناءً على هذا إن لم يكن الباكستانيون المسيحيون يقومون بتنظيف الصرف الصحي لكان المجتمع بأكمله في طريقه للدمار.

بالرغم من ذلك أصبح نظامٌ تحتيٌ عام قديم وغير فعّال يهتم بالجزء الأخير من نظام الصرف الصحي في باكستان والذي يتم التعويض عن أي نقصٍ فيه بعمل الطبقة المظلومة نظاميًا التي عملت في ذلك المجال لفترةٍ طويلة.

أعطى عددٌ قليلٌ من الباكستانيين اهتمامًأ لهذا الأمر، وسبب تلك اللامبالاة هو تأصل فكرة أن المسلمين أكثر نظافةً وتقوى من العمل للحفاظ على سلامة الصرف الصحي وتنظيف فضلاتنا في معتقداتنا، وهو ما يمس نواحي أخرى من فكرة التنظيف مثل الحفاظ على الظروف الصحية العامة بجمع القمامة والتخلص من مياه الصرف الصحي.

أعتبر الخطوة التالية كباحثٍ في الأزمات الإنسانية هي رفع مستوى الوعي المجتمعي بمخاطر الصحة المهنية، فيجب على مجتمعنا في الوضع الراهن أن يتحد ويحث الحكومة المحلية على الاهتمام بالصحة المهنية ومقاييس الأمان مع تطوير البنية التحتية للمدينة.

وكمسلمي باكستان يجب علينا إدراك أن رفاقنا المواطنين يعملون في ظروفٍ خطيرةٍ وحرجة لتنظيف مخلفاتنا ليصيبهم المرض وفي النهاية توافيهم المنية كنتيجةٍ لتعرضهم لبولنا وبرازنا في عملهم، فلو أن نظام الصرف الصحي لدينا يملك تخطيطًا وتنظيمًا أفضل لأصبحنا مجتمعًا أكثر صحةً وسعادة.

أليس من المشين أن يحدث موتٌ كان من الممكن منعه كموت عرفان سميح بسبب مزيجٍ من التعصب وفشل النظام ونقص التوعية الصحية؟ موتٌ كان من الممكن تجنبه لو كنّا طبقنا مقاييس الصحة في تخطيطنا الحضاري والمدني؟ موتٌ كان من الممكن منعه لو حاولنا فهم نظام الصرف الصحي بشكلٍ أفضل وجعلنا التوعية بالصحة العامة جزءًا من المنهاج الدراسي؟ موتٌ كان بإمكاننا أن نحول دونه لو فهم كل واحدٍ منا أن المياه النظيفة ستصبح سلعةً مرغوبةً مع تغيرات المناخ القادمة.

وعلينا كمسلمي باكستان أن نراعي امتيازاتنا ونستوعب أن هويتنا الدينية هي التي كفلت لنا وظائفنا الاجتماعية الأساسية على حساب مجموعةٍ أخرى من المواطنين الذين نتركهم للموت باعتبارهم أقل نظافةً من وجهة نظرنا، لذلك وحتى نقدر الدور الحيوي الذي لعبوه خلال الـ 70 عامًا السابقة ونجد طريقةً للحد من الإساءة لهم بتلك الطريقة لن نكون قادرين على إحداث أي تغييرٍ حقيقي.

لكن قبل ذلك سيكون من المفيد أن نهتم بالمنظومة التي تحتل مكانًا أسفل شوارعنا في الوقت الحالي.

مصادر[عدل]