من داخل السجون الفيتنامية: دمى صغيرة تحمل رسائل كبيرة
الأحد 21 ديسمبر 2014
نشر “وين غو” هذا المقال سابقاً على لوا (Loa)، و هو موقع إلكتروني وإذاعة إخبارية مستقلة تعني بنشر وإذاعة القصص عن فيتنام، وتعيد الأصوات العالمية نشره كجزء من اتفاقية مشاركة المحتوى.
هل رأيت دمية من دمٌي الرولي بولي من قبل؟ يطلق على مثل هذة الدمٌي أيضًا اسم دمى البهلوان أو الدمى المهتزة، وهي دمى برؤوس ونهايات مستديرة دون أطراف. عندما تدفعها، تهتز قليلاً و لكنها لا تسقط أبداً.
هناك بالفعل نسخة مختلفة ملونة ومصنوعة من خيط الكروشيه تصنعها الأقليات الإثنية في فيتنام، ولكن أصبح هناك نسخة أخرى حاليًا تصنعتها نجوين هو مينغ وحدها، وهي إحدى المعتقلات السياسيات.
نجوين هو مينغ مان مصورة صحفية وخبيرة تجميل تبلغ الحادية والثلاثين من العمر، وتقضي الآن سنتها الخامسة في السجن تنفيذًا لحكم المحكمة بالسجن ثمانية أعوام بتهمة التخريب. كما أُلقي القبض على والدتها دانغ نوج منغ، وهي سجينة رأي سابقة، في نفس الوقت الذي أُلقى القبض فيه على ابنتها والتي أُطلق سراحها في وقت سابق.
تتذكر نجوك منغ الوقت الذي تعلمت فيه هي ومنغ مان كيفية صنع هذة الدمى أثناء فترة الاحتجاز السابقة للمحاكمة.
«النص الأصلي:We were brought to Nghệ An, at Nghi Kim camp. There were some ethnic minorities there, and they make these dolls, but they were kinda ugly! But they showed us how to make it.»
«ترجمة:كنا قد أُرسلنا إلى ني آن في مخيم ني كيم، حيث تسكن بعض الأقليات الإثنية التي تصنع هذه الدمي، وكانت الدمى قبيحة إلى حدٍ ما، ولكنهم علّمونا كيفية صنعها.»
لكل دمية طابعها الفريد وزيها المختلف. وهي عادةً بحجم كف اليدين، وتحوي تفاصيل مدهشة مثل الرموش والقباعات المطرزة بفراشات صغيرة وأزهار. فقد ترتدى إحدى الدمى قبعة مقلوبة كنوع من الدلال، بينما تبدو أخرى محتفية بنفسها، حيث تتزين بملابس حمراء وخضراء وبجديلتي شعرها شرائط حمراء وعلى جسمها الصغير نُقشت الكلمات “عيد ميلاد مجيد.”
ولكن ممارسة الفنون والحرف اليدوية قد تصبح أمرًا صعبًا حين تقيم بمركز الاحتجاز. هنا تتحدث نجوك منغ عن تجميع الخامات لصنع الدمى.
«النص الأصلي:The thing is, when we learned how to make them, we were at a detention center so we didn’t really have materials. When we wanted to practice making them, we had to use the threads from our bath towels. That doesn’t look very good though, when you pull out those threads. But when we were transferred to a different detention center, there were many prisoners working on embroidery, and they gave us their leftover thread – all different colors. And we found some cotton too, so we stuffed their stomachs.»
«ترجمة:المشكلة أننا عندما تعلّمنا صنعها كنا بمركز الاحتجاز، حيث لم نستطع إيجاد الخامات؛ ومتى أردنا التدرّب على صنعها، كنّا نلجأ إلى استخدام خيوط مناشف الاستحمام الخاصة بنا. إلا أن الدمى لم تبدُ جيدة بما يكفي بهذه الخيوط المنتزعة. ولما نُقلنا إلى مركز احتجاز آخروجدنا العديد من السجناء العاملين بالتطريز هناك، وأعطونا ما بحوزتهم من خيوط غير مستخدمة بكل ألوانها المختلفة. كما وجدنا أيضاً بعض القطن الذي استخدمناه في حشو يطون هذة الدمى.»
أصبحت منغ مان مهووسة بصنع هذة الدمى، وصنعت واحدة لكل مناسبة، فمثلاً، هناك واحدة بمناسبة عيد الميلاد، وأخرى بمناسبة عيد ميلاد والدتها، وثالثة للذكرى السنوية لزواج والديها.
في السجن الذي اُحتجزت فيه منغ مان ووالدتها، يُفصل السجناء عن بعضهم البعض ولا يسمح لهم بالخروج ابداً، وتخضع المواد المخصصة للقراءة لدرجة عالية من المراقبة، و قد يتعرض السجناء إلى الحبس الانفرادي لسوء أي تصرف ينتج عنهم. ولذلك أصبحت دمى الرولي بولي بمثابة منفذ إبداعي مداوٍ ومسلٍّ.
حين اقترب موعد إطلاق سراح والدتها، أعطتها منغ مان عددًا من الدمي لترجع بها إلي المنزل. أثار ذلك الشكوك لدى حراس السجن، فأمروا بقطع الدمي للتأكد أنها ليست مستخدمة لتهريب شيئاً ما خارج السجن، إلا انهم لم يجدوا شيئًا في بطونها سوى القطن. ما لم يكتشفه المسؤولون حينئذ هو أن ما تحمله هذة الدمى حقًا من رسائل كان أمامهم، ولكنهم عجزوا عن فهمها.
تفسّر نجوك منغ لموقع لوا هذه “الرسائل السرية” التي تحملها الدمي:
«النص الأصلي:One has the flag of the Republic of Vietnam and she embroidered my English name, Ammy on it, along with my birthday, April 4th, next to the word Freedom, the white flower, and a cute butterfly on my hat.»
«ترجمة:هناك واحدة منهم عليها علم الجمهورية الفيتنامية، وطرزت اسمى الإنكليزى “Ammy” عليها بالجانب إلي يوم ميلادي، 4 نيسان/أبريل الموضوع بجوار كلمة “الحرية”، ووردة بيضاء و قراشة لطيفة على القبعة.»
ترمز الوردة البيضاء، هوا ماي، الظاهرة على معظم دمى الرولى بولى التي تصنعها منغ مان، إلى الحزب الديموقراطي فيت تان، وتحمل أيضًا رسالة تضامن مع كل من يعانون إلى جانبها خلف أسوار السجون. ومنغ مان، كوالدتها، عضوة في هذا الحزب. .
هناك دمية أخرى ترتدي زيًا أسود اللون مطرز عليه حرف “T” و الرقم 4: يرمز الحرف T إلى “tháng” أي شهر، و رقم 4 إلى شهر نيسان/أبريل. و هذة الدمية، بحسب ما تقوله نجوك منغ، تحيي ذكرى “تانغ تو دين” أي ،نيسان الأسود– المعروف باسم 30 نيسان أو يوم سقوط سايغون. وقد حاولت الأسرة الهرب من فيتنام بعد الحرب ولكنها فشلت في ذلك.
أرادت نوغ منغ أن تشارك مع العالم إبداعات ابنتها اللطيفة الهادفة، لذلك، بعد أن اُطلق سراحها، نشرت صوراً للدمي عبر موقع فايس بوك، وحازت الصور على تعليقات واهتمام الناس من جميع أنحاء العالم. استمر ذلك حتى منع المسؤولون نوغ منغ و زوجها من إحضار المزيد من الدمي إلى المنزل بعد زيارة منغ مان في السجن.
إلا أن هذه لم تكن المرة الوحيدة التي حظت فيها منغ مان باهتمام عالمي، فمثلًا منذ ثلاثة أشهر، أي في أيلول/سبتمبر، أعلن فريق الأمم المتحدة المعني بقضايا الاحتجاز التعسفى أن منغ مان “اُحتجزت فقط بسبب ممارستها السلمية لحقوقها” ونادى بإطلاق سراحها على الفور.
بينما كانت منغ مان خلف أسوار سجن معسكر 5 بتان واه، وأثناء زيارة أهلها لها بتشرين الثاني/نوفمبر، قالت نوغ منغ أنهم لاحظوا تغيرًا طفيفًا في سلوكيات المسؤولين:
«النص الأصلي:She and her dad were talking through the glass partition on the phone. He said to her ‘The UN told the Vietnamese Government to release you unconditionally. I’m letting you know this, but don’t rush to hold too much hope, because at the end of the day it is still up to the State. Organizations and people all around the world are speaking up for your freedom.’ In the past, whenever we spoke about matters related to the case, they stopped us immediately. But this time, they didn’t stop us! All five of the prison guards standing watch did not say a word.»
«ترجمة:كانت تتكلم مع والدها عبر الهاتف من خلال الحاجز الزجاجي عندما تحدث إليها قائلاً: “طالبت الأمم المتحدة الحكومة بإطلاق سراحك على الفور وبدون أية شروط. أخبرك بذلك الآن للعلم فقط، فلا تتسرعى بوضع آمالك على ذلك، ففي النهاية لا يزال الأمر في يد الحكومة، كما تدافع أيضًا المنظمات والناس حول العالم عن حريتك.” لم يوقفنا الحراس هذة المرة أبدًا! وقف جميعهم الخمسة يراقبوننا في صمت.»
تقول منغ مانغ أن كلّ ما تأمله هي وأسرتها هو عودتها إلى المنزل. لا يريدون لها أن تحصل على لجوء سياسي لتُنفى بعدها إلى دولة أخرى. كما أوضحت أنها تريد مواصلة النضال بجانب أسرتها من أجل حرية فيتنام من الداخل.
إذا كان المسؤولون يخافون خروج بعض دمى الرولى بولى من السجن، فتخيّل ما يشعرون به حيال إطلاق سراح منغ مان.
لتتعرف أكثر على منغ مانغ استمع إلى الحلقة الإذاعية الكاملة من هنا:
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «من داخل السجون الفيتنامية: دمى صغيرة تحمل رسائل كبيرة». الأصوات العالمية. 21 ديسمبر - كانون الأول 2014.
شارك الخبر:
|