ماذا ننتظر في سوريا وما الذي ينتظر الثورة السورية؟
الأربعاء 29 يونيو 2016
إن النظام السوري مستعد للبقاء على وضعه القتالي الحالي لسنوات قادمة طالما أنه لا يدفع ثمن الوقت من دم أبنائه، وإنما من ميليشيات أجنبية وسوريين لا تعنيه حياتهم بشيء. بكثير من الأحيان، يدفع بالمجندين الإجباريين للصفوف الأولى ليجعلهم كبش فداء بينما يستنزفنا في جبهات صراع وقصف بشكل يومي يقتل فيها خيرة المقاتلين والاعلاميين، لأنه يعلم تمامًا أن نقاط الجبهات هي نقطة الهدف لمن ذكرتهم.
ليس لدى النظام مشكلة بالاستمرار بالوضع الحالي طالما بقي مركز ثقله في الساحل بخير والعاصمة دمشق تحت سيطرته، في حين يتحول أعداؤه إلى أصدقاء ثم إلى حلفاء كل يوم. تحولت واشنطن من هدف إسقاط الأسد ذي الأيام المعدودة إلى محاربة الإرهاب، وباتت مشاريعها العسكرية تتحول للبنتاغون المختص بمحاربة داعش فقط. يعملون على محاربة الفرق العسكرية للجيش الحر واحدة تلو الأخرى لتخلق معها فرق وتشكيلات جديدة مدعومة من البنتاغون لقتال داعش إما في دير الزور أو ريف الرقة أو الشمال السوري، كما تلجأ بعض القوات المقاتلة بالشمال للدخول في برنامج البنتاغون للحصول على تمويل إضافي مقابل قبولها بإرسال قوات يومية لمحاربة داعش وفق إستراتيجية فاشلة منذ أكثر من سنة دون إحراز أي تقدم ملموس على التنظيم المتطرف.
ومع ازدياد نفوذ قوات سوريا الديموقراطية الكردية في الشمال وسعيها لبناء روج افا (إقليم كردستان سوريا) بالسيطرة على منبج وجرابلس، فسيكون هناك أرض جديدة وعلى الجيش الحر القتال على جبهاتها باعتبارها احتلالًا للأراضي السورية، وبالنتيجة يصبح الجيش الحر بمواجهة النظام السوري وتنظيم داعش وقوات سوريا الديموقراطية بالإضافة لسكاكين الغدر التي يتلقاها بين الفينة والأخرى من التنظيمات الإسلامية الموجودة بمناطق قريبة منه. ما الذي سيفعله الجيش الحر؟
«النص الأصلي:لم تكن عملية إدخال المعارضة في محادثات جنيف لمدة ثمانية أشهر إلا لعبة دولية لدفع الجيش الحر لوقف القتال وتجفيف الدعم عنه مع استمرار تسليح وتحصين مناطق النظام.»
لم نعد نسمع بمعارك كبرى يقودها الجيش الحر وإنما اقتصرت حربه على مشاركات بنسب مختلفة مع فصائل إسلامية في معارك استنزافية بهدف حماية وتدعيم بعض المناطق أو بهدف استعادة مناطق كان قد سيطر عليها النظام -أو داعش- سابقًا. معارك حماة لم تبدأ وكذلك معارك حلب، أما معركة الرقة -إن حصلت- فلن يكون للجيش الحر منها حصته من الكعكة كونها ستكون تحت إدارة البنتاغون وروسيا مع احتمالية إشراك النظام بالمعركة لإعطائه طريقًا نحو مطار الطبقة وطريق تدمر، وبالتالي ستكون قوات سوريا الديموقراطية وجيش الأسد (بغطاء جوي من التحالف وروسيا) هم اللاعبون الأساسيون.
بقي الجيش الحر متمركزًا في الشمال عبر بعض الفصائل التي غرقت في مستنقعات الدعم ورأى بعضها الآخر أن التجارة عمل جيد بالفترة الحالية مع تثبيت سيطرته وتحكمه بمناطقه، فبدأت الفصائل بإنشاء جمعيات إغاثية ومدارس وأفران لتصبح جناح عسكري آخر يعمل بالإغاثة والتجارة دون الوصول لمرحلة التمويل الذاتي، المرحلة التي تمكنه من التخلي عن الدعم الخارجي وبالتالي تحقيق استقلال ونصر عظيم. أصبح الجيش الحر كذلك متمتعًا بحركة واسعة نسبيًا في الشمال السوري دون أن يكون تحت الحصار كما هي الحال بمدينة حمص أو الغوطة الشرقية بدمشق، لكن رغم حرية حركته ووجود جبهات واسعة إلا أنه يقبع ضمن خطوط حمراء دوليًا لا يمكنه تعديها، فمدينتي “ نبل والزهراء” خط أحمر، “ كفريا والفوعة” خط أحمر، مناطق الساحل خط أحمر، مناطق قوات الحماية الشعبية خط أحمر، وإن تعدى هذه الخطوط، ربما يتعرض لقصف ممن يدعمونه أنفسهم.
أما الجنوب السوري، في محافظة درعا، فهو متوقف عن العمليات العسكرية منذ قرابة سنة، في حين لا زال يفتح معارك مع تشكيلات موالية لتنظيم داعش، لكن هدوء الجبهة مع جيش النظام منذ سنة يعمل على منحه الوقت لإعادة التحصين وغسيل عقول كثير من الأشخاص في تلك المناطق وتعزيز فكرة الالتحاق بجيش النظام مجددًا. أما عن ريف دمشق والغوطتين فلا حول له ولا قوة فيهما، فهو يقاتل من الداخل وحيدًا ضد تنظيم القاعدة الذي أعلن عن عداءه الواضح والمعلن، بالإضافة لوقوفه ضد النظام في جبهات واسعة لمنعه من التقدم، فهو غير قادر على فك حصاره من الداخل. وتتكرر حالته هذه في داريا والغوطة وريف حمص نتيجة خذلان باقي المناطق له.
ما كانت عملية إدخال المعارضة في محادثات جنيف لمدة ثمانية أشهر إلا لعبة دولية لدفع الجيش الحر لوقف القتال وتجفيف الدعم عنه مع استمرار تسليح وتحصين مناطق النظام، أكبر دليل على ذلك أن الهدنة المزعومة، التي تم فرضها روسيًا وأمريكيًا على الطرفين في سوريا، طالبت باستمرار القتال مع تنظيم داعش وبدء أعمال ضد تنظيم جبهة النصرة وإعطاء الشرعية للقصف الجوي الذي يقترب من نقاط الجيش الحر، وإعطاء شرعية لوجود حزب الله والميليشيات الإيرانية والعراقية عبر إشراكها بالهدنة، وذلك لخلق ثغرات وإرسال رسائل تهديد للجيش الحر عبر استخدام أسلحة محرمة دوليًا كالفوسفور والعنقودي في إشارة لضوء أخضر، تملكه روسيا ومن خلفها النظام، يخولها مسح أي منطقة تريدها في ظل غض نظر وتهرب من المسؤولية أمريكي وأوروبي.
يكاد لا يمر أسبوع دون أن نسمع بحادثة اغتيال تطال الناشطين البارزين الموالين للثورة أو قياداتها العسكرية أو مقاتلين من مختلف الفصائل في سياسة ممنهجة لإفراغ ساحة العمل الثوري. وتمر هذه الحوادث مرور الكرام دون محاسبة من مبدأ “حوالينا ولا علينا”، لا يدركون أنه سيأتي يوم سيتم فيه اغتيالهم وأبناءهم غدًا.
نظرة لمستقبل الجيش الحر
إن استمر الجيش الحر على سلوكه الحالي وبقي بهذه الحالة، كذراع تنفيذية لمشاريع خارجية (بغض النظر عما إذا كانت تلتقي مع مشاريعنا أم لا) سيدخل في دوامة لن ينجو منها. سيكون الجيش الحر هو من سلم سوريا للتقسيم، وهو من سمح بإقامة دولة للكرد في سوريا، وسيساهم بإعادة تشكيل جيش النظام من جديد وتدمير سوريا تحت مسمى الحرب على الإرهاب، وستكون بيوت نشطاء المعارضة كلها تحت المراقبة والتفتيش اليومي من النظام القادم. نظام جديد لن يضم الجيش الحر ولا الثورة، وسيتبع سياسة طرد عشرات آلاف العائلات خارج سوريا كما حصل عام ١٩٨٢ بعد حرب حافظ الأسد على تنظيم الأخوان المسلمين في مدينة حماة. إن لم يتحرك الجيش الحر ليكون قوة فاعلة دولياً وصاحب مشروع قيادي في سوريا، فسيكون خارج المعادلة القادمة، وسيمنح مكانه لمنظمات المجتمع المدني ذات الدور المشبوه في الثورة السورية، وللمعارضة الزهرية التي تعمل على إعادة تشكيل النظام بحلة جديدة تحت مسميات عدة لا تناسب الثورة ولا المجتمع السوري.
«النص الأصلي:وإلا فلنخرج كلنا من هذه القضية ونتركها لمن بات يساوم عليها في الخارج ولمن يريد تلوينها بالسواد بالداخل.»
لن يُحاسب الجيش الحر على ما فعله فقط، وإنما على ما كان عليه أن يفعله حينما دعت الحاجة. لا سبيل للخلاص اليوم إلا من خلال انقلاب داخلي من القادة والعناصر من الجيش الحر على القيادات الموجودة في الخارج. أصبحت قيادات الجيش الحر المقيمة في تركيا والأردن وأوروبا مستعدة للتخلي عن بعض المعارك وحتى أساسيات وثوابت الثورة في سبيل تعزيز علاقاتهم الدولية، التي تعطيهم سلطة حالية وحلم مستقبلي. لو قام عناصر الجيش الحر الموجودين على الأرض بإقصاء القيادات والابتعاد عن الدعم والعودة إلى مبادئ الثورة كما كانت عام ٢٠١٢، حيث كان تسليح الجيش ذاتيًا من غنائم المعارك مع النظام، لكان وضع المقاتلين الآن أفضل على الرغم من تشتت التسميات والرايات.
كانت الخطوة التي اتخذتها الفرقة 101 مشاة العاملة في الشمال السوري، بالخروج عن الدعم الدولي بعد فرض شروط مقابل السكوت عن الفساد الإداري والمالي لحلفائهم، خطوة أولى لإثبات إمكانية استقلال الثورة عن الداعم الدولي والقرار الخارجي. لكن هل ستحذو حذوها فرق أخرى لتعود بالثورة إلى بداياتها أم ستستمر بما هي عليه؟
أما الآن يسيطر اليأس من توحيد الجيش الحر لاختلاف منابع الدعم وعدم قدرة تخلي المقاتلين عن قياداتهم الخارجية. إذ لن يتخلى الضابط الذي بات يجتمع مع وزارات الدول وضباطها عن نشوة العظمة بعد أن كان موظفًا صغيرًا في صفوف الجيش، ولن يقبل الضابط الذي بات قائد تشكيل يجلس مع الدول يتحدث عن معاركه ويستلم مئات الألوف من الدولارات أن يعمل تحت أمرة أحد من جديد. وبعد هذا كله فلا سبيل للخلاص إلا بأن يضع كل مقاتل علمه ورايته التي يؤمن بها جانبًا والعمل مجددًا في القتال على كافة الجبهات ضد النظام وفك الحصار عن المناطق المحاصرة. «النص الأصلي:وإلا فلنخرج كلنا من هذه القضية ونتركها لمن بات يساوم عليها في الخارج ولمن يريد تلوينها بالسواد بالداخل.»
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «ماذا ننتظر في سوريا وما الذي ينتظر الثورة السورية؟». الأصوات العالمية. 29 يونيو - حزيران 2016.
شارك الخبر:
|