انتقل إلى المحتوى

قصة زيارة ملجأ تحت ضوء البدر في اليوم الأول للهدنة في غزة

من ويكي الأخبار

الخميس 18 سبتمبر 2014


ما إن يتوقف القصف في غزة معلنًا بدء الهدنة الإنسانية لمدة 72 ساعة حتى تخاطر داليا النجار لتخرج وتقابل بعض العائلات المقيمين في إحدى الملاجئ المؤقتة المكتظة. استشهد منذ بدء الهجوم الإسرائيلي الواسع على غزة في الثامن من تموز مالايقل عن 1900 فلسطيني وأصيب أكثر من 10 آلاف ونزح 450 ألف آخرين.

11 أغسطس/ آب، 2014: ثلاثة أياٍم من القتال تليها ثلاثة من الهدنة، هكذا جرت العادة أما نحن المدنيين، فنُقتل وتدمر بيوتنا ولا يسمع لنا رأي ولا قول، فقط نعاني بصمت.

إسرائيل والألوية المقاتلة في غزة تتصرف كما لو أنها تلعب لعبة إلكترونية توقفها متى أرادت الحديث، ذاك الحديث الذي لم يجلب لنا سوى المزيد من البؤس.

عم الهدوء القطاع الممتد 40 كيلومترمباشرة بعد بدء الهدنة ولم يعكر صفوه سوى طنين الطائرات الاستطلاعية.

خلال ساعات قليلة دبت الحياة في الشوارع مجددًا وتوقف الأطفال عن التعلق بأمهاتهم وسمح لهم بالخروج واللعب.

يمكنك أن ترى شيئًا من التفاؤل الحذر في عيون الجميع.

أما الشباب والشابات في غزة فهم أيضًا أرادوا فعل شيٍء للمساعدة، بالرغم من حاجتهم للدعم النفسي والمساعدة، إلا أن الغالبية توجهت للملاجئ لمساعدة الأطفال، وحاول البعض إعادة إعمار بيوتهم المدمرة جزئيًا وذهب غيرهم للمساعدة في المناطق المدمرة.

أما أنا، فقد قررت أن أستغل الساعات القليلة الباقية من أول يوم من الهدنة لأزور واحدة من المدارس العديدة التي تحولت لملاجئ مؤقتة. يذكر أن أكثر من 220 ألف شخص من أصل 1.8 مليون نسمة من تعداد سكان غزة مسجلون لدى 89 ملجأ تديره الأمم المتحدة، كانت مدارس في السابق.

كنت قد وافقت على الذهاب مع صديقتي لاحقًا خلال الأسبوع ولكن من يدري إن كان وقف النار سيستمر أم لا؟ فلم أشأ تفويت فرصة زيارة النازحين ومشاركتهم معاناتهم.

عندما قررت الخروج كانت الساعة السابعة مساء وباءت جميع محاولات أمي لمنعي من الذهاب وقولها أن الوقت متأخر والوضع جنونيٌّ في الخارج بالفشل.

غابت شمس غزة لتنير مناطق أخرى، وتركتنا وراءها ليغرقنا الظلم وظلام الليل حيث أن الكهرباء باتت نادرة جدًا منذ أن قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مولد الطاقة الوحيد في غزة في 28 من يوليو/ تموز.

لربما غادرتنا الشمس لتشرق فوق أناس آخرين في زاوية أخرى من العالم حيث يستمتع الأطفال بإجازتهم الصيفية.

كانت المدرسة شديدة الاكتظاظ حينما وصلت، تملؤها الوجوه الحزينة والقلوب المضطربة.

أول مالفت انتباهي مجموعة أطفال يلعبون على أرجوحة (سيسو) بسيطة كانوا قد صنعوها بأنفسهم مستخدمين لوحًا خشبيًا مثبتًا إلى السياج. تحدثت معهم وألحوا علّي بالسؤال ما إن كنت أعمل لدى إحدى منظمات الإغاثة وقد خاب أملهم عندما أخبرتهم أنني لست كذلك.

إنتقلت بعدها لغرفة رقم 8 حيث تقيم ثمانية عشرة عائلة وهناك تحدثت مع هبة أبو طعمة وهي أم لفتاتين وأربعة صبيان وتبلغ من العمر 34 عامًا ومر على وجودهم في المدرسة أكثر من 30 يوم. وحدها تعابير وجهها وعيناها تروي حزنها ومأساتها.

تقول هبة :” كنا قد إنتهينا للتو من تناول الغداء عندما إنهالت القذائف من كل حدب وصوب على حينا ومنزلنا. حاولنا الإتصال بالصليب الأحمر لإخراجنا ولكن تعذر عليهم الوصول إلينا بسبب القصف المستمر” وأضافت ” اعترى الخوف الأطفال وأخذوا يبكون بشدة عندها لم نعد قادرين على الإحتمال أكثر فغادرنا المنزل. مشينا متنقلين بحذر من منزل لآخر إلى أن وصلنا لمكان أكثر أمنًا.”

ثم أخبرتني أن بعض الرجال المصابين قد أهملوا وأن بعض النساء حاولن العودة لمساعدتهم إذ كن قد رأينهم يتحركون فحملن راية بيضاء وتوجهن صوبهم إلا أن الجنود الإسرائليين بدأوا بإطلاق النار عليهن فإضطررن عندها للتراجع.

وفقَا لهبة فإن أولئك الرجال قد قضوا بعد أربعة أيام وكان أحدهم صهرها الذي أمضى ست سنوات في سجون الاحتلال وهو أبٌ لخمس فتيات أصغرهن تبلغ من العمر 11 شهر وكان أخاه قد توفي في مصر نتيجة إصابته بالسرطان وقد تعذر عليه الوصول إلى مصر بسرعة بسبب إغلاق معبر رفح الحدودي. تقول هبة أن حماتها قد فقدت بصرها حزنًا على فقدانها لجميع أبناءها عدا واحد.

وصفت هبة الحياة في الملجأ بالكابوس.

” نعاني من نقٍص حاٍد في المياه وأضطر إلى الذهاب يوميًا إلى المستشفى لأحضر الماء وأحملها مسافة 500 متر تحت لهيب الشمس وإذا ما أردنا الإستحمام وجب علينا الذهاب إلى المستشفيات. لا وجود للكهرباء هنا وقد فرغ شحن هاتفي المحمول منذ مدة طويلة وعجزت عن الإتصال بعائلتي في الأردن.” تتابع هبة قولها: ” لابد أنهم قلقين جدًا علي إذ أنني ابنتهم الوحيدة.”

الجميع هنا يفترش الأرض ماعدا النساء الحوامل ومن هم فوق الخامسة والستين من عمرهم والأشخاص المعوقين، هم فقط من ينامون على الأسرة.

شكرتها لإخباري قصتها وتابعت جولتي للغرفة رقم 5 التي يعتبرها 98 شخص كمنزل لهم.

هناك قابلت امرأة رائعة على كرسي متحرك تدعى غدير أبو لطيفة وتبلغ من العمر 32 عامًا وهي أمٌ لثلاثة أطفال. غدير أصيبت عندما قصف المنزل ذو الطابقين الذي كانت تحتمي فيه وعائلتها. وزوجها يتلقى العلاج في بلجيكا بعد إصابته في هجوم سابق قد شنته القوات الإسرائيلية لى غزة.

ابنتها الوحيدة، نيسونا، مصابة بالسكري منذ الخامسة من عمرها. في تلك السنة دمرت الجرافات الإسرائيلية منزلهم أثناء وجودهم فيه. وتتذكر غدير صراخ طفلتها ذلك النهار” لا تقتلوني، لا تقتلونا.”

أخبرتني أن العاملين في المدرسة يبذلون أقصى مالديهم لمساعدة 3 آلاف شخص موجودين في المدرسة ولكن من الصعب إرضائهم جميعًا.

ثم شكرتني أنا وجميع المتطوعين على محاولتنا لمساعدة النازحين في غزة.

تقول غدير مع ابتسامة رسمت على محياها الحزين :” إن مايمنحنا الأمل هو رؤيتكم هنا تبتسمون لنا وتستمعون لقصصنا الحزينة وتدعمونا. نحن نعلم أن غزة ستكون بخير طالما هناك شباب طموح محب كأمثالكم.”

غادرت المدرسة في العاشرة مساءً وواجهت بعض الصعوبات في المواصلات ثم مشيت وحيدة تحت ضوء البدر الرائع المشتت للانتباه وأنا أفكر في معاناتهم.

أخيرًا، فإن أكثر الأشياء حزنًا هي الأصعب قولًا إذ أن الكلمات تقف عاجزة عندها.

كلماتي تحسر معاناتهم لشيء محسوس إلا أن حزنهم هو حقًا دون حدود. تعجز الكلمات عن وصف الألم والمعاناة التي يعيشها هؤلاء الناس يمكن لكلماتي أن تطلعكم على جزٍء يسير فقط من معاناتهم.

داليا النجار تدرس إدارة الأعمال في غزة وتدون لأنها تشعر ” أن كونها فلسطينية يعني حاجتها لإخبار العالم عن الحياة في غزة.” ولأن “لا أحد يمكن أن يترجم مشاعرنا أفضل منا.” إن القيود المفرطة التي تفرضها إسرائيل هي السبب في اعتبار الأمم المتحدة وبقية العالم لقطاع غزة والضفة الغربية أرضًا محتلة، في حين تعد هذه ثالث عملية عسكرية تشنها إسرائيل على غزة في ست سنوات. تابعوا المزيد من التغطية المفصلة عن وقف نار آخر في غزة الممزقة من الحرب.

مصادر

[عدل]