عندما تتحول بعض القنوات الإعلامية لدكاكين طائفية في سوريا
الثالث 19 مايو 2015
الإعلام الحربي يركز على الانتصارات ويرفع الهمم للطرف الذي يقف بصفه، يعتمد على المعنويات ومجابهة الفبركات والتصدي للشائعات، إعلام يلتفت للإنجازات العسكرية ويعمل على توحيد الصفوف لرفع كلمة إعلامية واحدة جامعة تحدد أهداف الحراك الذي يغطيه.
لذلك، كقاعدة متبعة في الحرب، لا بد من الابتعاد عن الإعلام العادي الذي يهتم بمجالات الحياة المدنية ويحتمل النقد والمناقشات لا بل يطرح أحيانًا أفكار معاكسة لما يتبناه من يقف بصفه ويكون ذلك بغية جس نبض الشارع أو دراسة إحصائيات قضية ما.
لكن حين تخوض الفئة المستهدفة حرباً مع طرفٍ آخر، ويتبنى إعلام ما وجهة نظرها ويتحول إلى ناطق إعلامي باسمها، ههنا يتوجب عليه أن يكون ملتزمًا بقواعد الإعلام الحربي والحالة اللاطبيعية، وإلا سيكون كالخنجر في خاصرة من يدافع عنهم.
بعد أربع سنوات على الثورة السورية، لا يمكننا البت بوجود إعلام معارض كما هو الحال في بعض الدول التي تتمتع بحرية إعلام، بل هناك بعض المحطات الإعلامية التي أنُشئت حديثاً وانتهجت خط الثورة وبعض القنوات التي تعاطفت مع الثورة فبدأت بتغطية أحداثها.
بعد أربع أعوام من الثورة اتبعت فيها أغلب المحطات والوسائل الإعلامية نظرياتها الخاصة ليصبح لكل منها تيار أو خط خاص بها تبث أخبارها بما يناسبه وتتغاضى عمّا ينتقد هذا التيار، بل وتقوم أحياناً باختلاق وتلفيق أخبار لا أساس لها من الصحّة، عائدة بذلك إلى سياسة إعلام النظام الذي انتقدته الثورة منذ أيامها الأولى لعدم مهنيته.
إحدى القنوات السورية التي انتهجت خط الثورة وأوقفت برامجها كافة لتبث برامج ثورية طوال الوقت، ما لبثت أن تحولت البرامج فيها لتصبح قصصًا وتقارير تمشي على أهواء المال السياسي وأيديولوجيات تخدم مصالح فئات معينة لتقوم القناة ببث صورة مشوهة عن الثورة التي انطلقت بعد حالة من الكبت المجتمعي ليصرخ الشعب من كل طوائفه وقومياته في وجه الظلم والطغيان المتمثل بالنظام الحاكم.
ربما لاتعرف هذه القناة الشهداء الشباب الذين سقطوا على أيدي النظام الحاكم لأنهم انتفضوا في وجه الظلم ولم يشعروا بانتمائهم إلا لوطنهم الأم سوريا، فما كان من القاتل إلا أن يواجههم بالحديد والنار كما كل الديكتاتوريات في وطننا العربي، ربما لم تسمع القناة بالشهيد باسل شحادة، أو حاتم إبراهيم حنا، ربما لم تشاهد احتفاليات أهالي القامشلي الثورية في أعياد الميلاد ورأس السنة.
ربما أن القناة تعرف ذلك كله، لكنها لا تريد لأحد أن يراه. لكنها بذلك تصب خيراتها دون أن تعلم في جانب النظام السوري الذي حاول منذ اليوم الأول أن يقول أنها ثورة إسلامية متشددة ضد نظام علماني متحرر.
النظام الذي مارس قمعه على كل الأديان والطوائف ويستثمر الإعلام بالطريق الأمثل في تصدير صورته للعالم العربي والغربي بأنه نظام علماني، نجح في كسب ود وتعاطف بعض الحكومات والشعوب الأوربية، بينما في الواقع هو من بدأ باضطهاد الأقليات من مسيحيين وعلويين ودروز وغيرهم لتكون الطائفية هي السم الذي يدسّه في العسل.
الحلقة الكاملة التي سخرتها القناة للقول بأن المسيحيين في سوريا يمارسون بأجمعهم القتل إلى جانب النظام السوري دون أي تنويه منها لأصغر جهد أو ثمن دفعه السوريون المسيحيون لوقوفهم إلى جانب الثورة لا تدل إلا على سياسة إعلامية ترويجية لخطاب طائفي يقوم على تهميش فئة من المجتمع سيتبعها تهميش فئات أخرى في عملية متاجرة واضحة لكسب تأييد من جهات معينة.
حاولت التواصل مع كادر القناة المشار إليها في تصوّر مسبق لانتقاد ما جرى أو نسبه لتصرفات خارجة عن مراقبة المسؤولين عن القناة، لكن كان الرد مفاجئ. قام أحد مخرجي القناة بالتنصل من الموضوع والطلب بعدم ادخاله بهكذا نقاشات، أما مقدمة البرامج المقيمة بأميركا وتقدم برنامجها من هناك فأخذت تقارن الإعلام الأميركي بما تقوم به قناتها وأدرجت الحلقة في إطار اختلاف الآراء وطرح مواضيع للنقاش.
ربما لم تشمل مقارنة هذه المذيعة بين الإعلام الأميركي الذي يقوم الآن بمرحلة بناء مجتمع ويعمل لكسب جماهير بهدف الانتخابات الأميركية بعد سنوات عديدة من ثوراته وتحرره حتى وصل للحالة التي يعيشها الآن على أرض الواقع وتنعكس على إعلامه هذه الأيام، وبين الحالة التي يعيشها السوريون والتي يرتفع فيها صوت السلاح وتشوبها عمليات القتل والتحريض من كل الاتجاهات وحاجته لإعلام موجه يخاطب الرأي العالمي بما صدحت فيه الحناجر، وحاجة الثورة السورية لإعلام يجابه الآلة الإعلامية لقنوات النظام التي تقوم بنفي ما ترتكبه من أخطاء وتلصقها بالمعارضة السورية بدل أن يكون هناك إعلام تحت مسمّى الثورة ويعمل على خطف ما أنجزه الثوار طوال أربع سنوات.
لا أحد ينكر المأساة التي مرت على المسلمين في سوريا منذ أربع سنوات وحجم الشهداء والعذاب الذي قدموه ولا زالوا يقدموه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تريد قناة تقدم نفسها على أنها ثورية مدنية أن تقول: من خرج بالثورة هم مسلمون فقط وخرجوا لكونهم مسلمين وليس لشعورهم الوطني؟
رفض الكثير من هؤلاء المسلمين الخطاب الطائفي وأبدوا استيائهم من للقناة، حيث وجّه العديد من المسلمون انتقادات لهذا الانحياز لفئات المجتمع الثوري الذين وصفوا الخطاب بالتحريضي والمثير للنعرات الطائفية.
هل أصبح على العاملون في كل مؤسسة إعلامية أن يؤيدوا توجهات مدير المؤسسة دون انتقاد؟ مع العلم أن مدير هذه القناة قام في وقت لاحق بتسريح موظفة لديه لوضعها إعجاب (لايك) على بوست ينتقد كلام طائفي كان قد قاله في وقت سابق.
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «عندما تتحول بعض القنوات الإعلامية لدكاكين طائفية في سوريا». الأصوات العالمية. 19 مايو - أيار 2015.
شارك الخبر:
|