علي الطويل، السجين البحريني يحاول الانتحار للمرة الثانية

من ويكي الأخبار

الثالث 13 يناير 2015


الحبس الانفرادي. بالنسبة لي كان أسوأ من التعذيب الجسدي. ما معنى الزمن بدون أية تغييرات؟ إذا كنت حبيس غرفة بلا أي شيء تقوم به سوى الاستماع لأفكارك. في عزلتك هذه، ستستدعيك كل الأشياء التي عادةً ماتحاول الابتعاد عنها من خلال الحفاظ على حياة يومية اعتيادية. لمن السهل أن تكون فريسةً للمخاوف والأفكار السوداء.

كانت الطريقة الوحيدة، بالنسبة لي، للنجاة من عزلتي هذه هي بناء عالم خيالي في مخيلتي: مكان آخر، أشخاص آخرون. عالم يمكنني الهروب إليه وقضاء ما أمكنني من وقت محاولاً خلق أشياء جديدة باستمرار يمكنني رؤيتها أو حتى لمسها. لقد تمكنت، في الفترة التي قضيتها وحيداً قبل انضمامي لباقي السجناء، من بناء قصة متكاملة بكافة شخصياتها وأحداثها وقد تابعت وراقبت كيفية تطور هذه الشخصيات والأحداث. كان عقلي يحاول مساعدتي على التأقلم والبقاء. ومع ذلك، ليس باستطاعتي أن أتخيل كيف كنت سأنجو من من حبسي الانفرادي هذا إذا ما طالت المدة لأكثر من أسبوعين.

كان شائعاً في السجن خبرٌ يشبه أسطورة معاصرة كانت مصدر خوف وقوة عن سجين يدعى علي الطويل الذي لطالما تردد اسمه في الأحاديث. فإذا ما اشتكيت لصديق سجين من ظروف حبسك السيئة، لسارع بتذكيرك بأنك في وضع يُحمد عليه مقارنةً مع حال علي الطويل. و,إذا ما استهزأت بالقوانين سيذكرك الحرس بأنه قد ينتهي بك الحال لما وصل إليه علي الطويل. أصبحت قصة علي الطويل مصدر حذر للبعض وللبعض الآخر مصدر أمل وصمود. ولكنه كان في نظر الأغلبية شبحاً، سجيناً لم تره عيناك، سجيناً لم يساعده أحد، حتى أنه لم يكن له ذكرٌ في أية عنواين صحف.

بقي علي الطويل ذي الخمسة والعشرين ربيعاً في حبسه الانفرادي مدة ثلاث سنوات. حاول الانتحار مرتين: مرةً بقطع شرايينه وحديثاً بمحاولته شنق نفسه. لقد طلب من محاميته أن تحدد موعد زيارة ليتمكن من تسليمها وصيته وعهدته لأنه كان ينوي محاولة إنهاء مأساته مرة أخرى. بعد معاناته من انهيار عقلي، نقل علي إلى مشفاً للأمراض النفسية، حسب تقرير الناشطة مريم الخواجة.

اقتباس فارغ!

من خلال الفيلم المستوحى الذي أُصدر في عام 1995 Murder in the First ( جريمة في البدء) أطلع الملايين على قصة هنري يونغ الذي قرر، بعد ثلاث سنوات من المعاملة غير الإنسانية والحبس الإنفرادي في سجن الكاترازسيء السمعة، قتل شخص آخر. وقد لا يُخيل لصانعي ذلك الفيلم الذي يروي قصة جرت أحداثها في الجزء الأول من القرن العشرين، أنه بالإمكان أن تعاد تلك القصة في يومنا وفي عصرنا الحالي.

حُكم على علي الطويل بالموت بناء على تهمة مزعومة بدهسه لرجل شرطة في بداية الثورة في البحرين عام 2011. الحادثة المزعومة حدثت خلال الهجوم الذي أصاب جزيرة سترة البحرينية والذي خلف وراءه أربعة قتلى والكثير من الجرحى المدنيين. يظهر شرط الفيديو التالي كيفة اعتقال رجال الشرطة للمدنيين وضربهم علناً أمام الملأ.

إعتقال مجموعة من الشبان في سترة والتنكيل بهم 15 مارس 2012 على يوتيوب

يظهرهذا الفيلم بوضوح أيضاً مشاركة مدنيين مسلحين في إطلاق النار على المحتجين في ذلك اليوم، وقد كانوا يدعوهم للخروج.

Police shooting at people of Sitra 15-03-2011 على يوتيوب

صرحت عائلة علي بأن اعتقال ابنهم تم أثناء تواجده في بيت أخته، بينما كان يقضي فترة للتعافي من عمل جراحي أجري له. لقد تم اعتقاله وتعذيبه لأشهر لحين موعد الاعتراف وإصدار الحكم. ولكن التعذيب استمر حتى بعد صدور الحكم.

إن قضية علي هي مثال واضح على الخلل الوظيفي والفساد المتفشي في جهاز القضاء. إذ أن الشهادات و المعلومات التي ذُكرت في تقرير لجنة التحقيق كانت متضاربة لدرجة أن اختلاف الأقوال لم يسمح حتى بالحصول على تحديد دقيق لموقع الحادث. في الصفحة 237 من تقرير لجنة التحقيق البحرينية المستقلة، والذي أقره ملك البحرين بنفسه، ذُكر أنه” تم دهس ضابط الشرطة أحمد راشد المريسي من قبل سيارة عند دوار التعاون الخليجي في الخامس عشر من شهر آذار/مارس من عام 2011

دوار التعاون الخليجي المشار إليه في التقرير والذي يُعرف الآن بدوار اللؤلؤة، هو مركز المظاهرات البحرينية المؤيدة للديمقراطية والتي انطلقت في شباط /فبراير من عام 2011. ولكن الشهادة الصادرة بوفاة الشرطي أقرت بأن حادث القتل وقع في قرية المامير.

جميع شهود العيان على الحادث هم رجال شرطة. وقد تبين أن قوات الشرطة البحرينية كانت مذنبة باستخدامها العنف المفرط ضد المحتجين. إن موقع الحادث لم يكن النقطة الوحيدة التي اختلفت عليها آراء الشهود والسلطات، فالشهود الأربعة أدلوا بشهادات متضاربة عن الحادث، مصرحين بأنه قد تم إطلاق النار من قبل عدة أشخاص على السيارة ولكن اياً منهم لم يتمكن من تحديد هوية السائق على أنه علي، حتى أنهم لم يتمكنوا من إعطاء رقم لوحة التسجيل للسيارة . الشيء الوحيد الذي اتفقوا عليه هو لون السيارة والتي هي بالحقيقة ليست لعلي بل لمدَعى عليه آخر.

وعلى أساس هذا الدليل، الظرفي يأحسن حالاته، وبالرغم من كل التوصيات التي وُجهت من قبل مجموعاتٍ لحقوق الإنسان، حُكم على علي بالموت. إن الفترة التي يقضيها علي بانتظار إعادة النظر بالحكم أو تنفيذه ما هي إلا جحيماً واقعياً يعيشه كما يعيش الضيم الكثير من مواطني بلدنا. والصمت المصمُ الذي يواجهه في سجنه الإنفرادي يقابله صمتٌ صارخ من الخارج.

لقد أُغلق سجن الكاتراز في عام 1963، ولكن في سجون البحرين المتزايدة تتكشف قصصٌ جديدة كقصة علي

مصادر[عدل]