سوريا: مدونون يناقشون العلمانية
الثالث 9 مارس 2010
البشر حيوانات متدينة، هل هم كذلك فعلا؟
شهد الشرق الأوسط على مدار تاريخه الطويل موجات من الأيديولوجيات السياسية التي هي غالبا مرتبطة بالإسلام. ليس فقط كنظام عقائدي أو مصفوفة ثقافية، ولكن أيضاً كأيديولوجية سياسية لا تستطيع الفكاك من سياسات المنطقة وأنواع حكوماتها. شيوع الإسلام في كافة مناحي الحياة يجعلها طريقة حياة أكثر من مجرد طقوس إيمانية عقائدية. يعتبر البعض العلمانية ركن الأساس للديمقراطية والتقدم الإنساني، بينما يرى البعض الآخر أنه لا يمكن حقيقة فصل الدين عن السياسة. يناقش المدونون السوريّون العلمانية: ماذا تعني؟ هل من الممكن تحقيقها في بلد ذي غالبية إسلامية؟ أم أنها أيديولوجية غربية أخرى غير قابلة للتكامل مع التقاليد والقيم الدينية؟
بدأ أنس أونلاين المناقشة تحت عنوان شيزوفرينيا العلمانيين العرب قائلاً:
«النص الأصلي:هناك طرفين متناقضين في جميع هذا النوع من الحوارات:
1- طرف يرى بأنه لا ضير من وجود أحزاب قائمة على أسس دينية يحق لها التواجد على الساحة السياسية والتواجد في البرلمانات وحتى الوصول وتسلم مقاليد السلطة.
2- طرف ثاني يرى بأنه يحق للجميع تأسيس الأحزاب والتواجد السياسي بشرط ألا تكون أحزابهم قائمة على أسس دينية و(سماوية).»
يرى أنس تناقضاً بين دعم العلمانيين العرب لحركات المقاومة في المنطقة، خاصة وأنها منبثقة من رحم أحزاب دينية:
«النص الأصلي:هل هو بالفعل نوع من انفصام الشخصية؟ دعونا نحاول دراسة هذه الظاهرة بشيء من المنطق ونرتب الاحتمالات الموجودة لدينا:
الاحتمال الأول: العلماني العربي هو في النهاية وليد لمجتمع ذو ثقافة إسلامية عمرها يقارب الخمسة عشر قرناً، العلماني العربي يحمل في النهاية وبشكل أو بآخر في وجدانه الجماعي جينات من حكموا يوماً نصف الكرة الأرضية بعد أن كانوا قبائل متشرذمة وكان فضل الاسلام أساسياً في قوتهم هذه، ربما يحاول أن ينكر هذا، أو ربما يحاول أن يقتنع بأن الزمن تغير وما صَلُحَ في الماضي للحكم تحت اسم (دولة إسلامية) لن يصلح الآن، وربما يسوّد الصفحات والمقالات حول هذه الفكرة لكنه يغير رأيه فوراً عند أي تجربة عملية يشاهدها على المحك، فهو لا يرى نوراً في نهاية النفق سوى تلك الحركات (الإسلامية).
الاحتمال الثاني: العلماني العربي سيُشجع الشيطان نفسه لو كان محارباً لإسرائيل, عند هذه النقطة تنتهي الخلافات والحواجز ويصبح الأمر أكبر من أن يفكر فيه بهذه الطريقة! تخيل أن يقف حينها إلى جانب العدو الإسرائيلي لمجرد أنه ضد فكرة الأحزاب الإسلامية من أساسها! الأمر غير وارد على الإطلاق.»
يعلق متنزه بين المدونات على تدوينة أنس أونلاين بما يعتبره تقييماً غير عادل للعلمانية:
«النص الأصلي:العلمانية التي ترفضها حضرتك هي من جعلت بلدك (سوريا) آمنة من بطش المتدينين […] والعلمانية التي ترفضها حضرتك هي من جعلت الوزير المسيحي بجانب الوزير السني بجانب الدرزي بجانب العلوي والعلمانية هي من جعلت الصداقات وعلاقات الزواج تتشعب بين الشعب السوري وإن كانت قليلة. يا صديقي نحن لا نريد عراق ثانية تراق فيه الدماء بغير حساب ولا نريد لبناناً آخر نشتم بعضنا البعض فيه لمجرد انتمائنا الفكري لذلك أدعوك بروح أخوية عن الكف عن هذه المهاترات أنت ومعلقي مدونتك وتقبل الآخر. فأنا بعشقي للعلمانية يعجبني المتدين المعتدل فقط فكما لي قضية فكرية أتبناها وأدافع عنها ولا أفرضها عنوة على الآخرون أو اقتل بسببها فأحترم المتدين الآخر الذي له نفس التوجه ….»
يكتب أنس قطيش، وهو مدون سوري:
«النص الأصلي:صححوني إن كنت مخطئاً ولكنني أعتقد بأننا لا نريد العيش كما في السعودية حيث يتم فرض لباس معين على الأشخاص (يتعدى متطلبات الحشمة بشكل غير معقول) ويمنع فيه الاختلاط والتفاعل البريء بين الجنسين، وتُمنَع فيه النساء من قيادة السيارات والانخراط في العديد من مسالك العمل ويضرب فيه الناس في الشارع لقسرهم على الصلاة؛ وأيضاً لا نريد العيش في دولة كفرنسا تضطهد الأقلية الدينية المسلمة بحظر الحجاب أو النقاب مثلاً تحت غطاء حقوق المرأة وحقوق الإنسان.»
يطالب أنس قطيش بقراءة أكثر تعمقاً لتاريخ الحركات العلمانية:
«النص الأصلي:لو نظر أنس بدقة إلى وجهة النظر تلك بتمعن لوجد أن العلمانيّ يدعم المقاومة مهما كانت، حتى لو اختلف معها بالأيديولوجيا (وهذا أمر لا يمكننا أن نقوله عن بعض “المتدينين” الذين لا يريدون أن يروا سلاحاً بيد المقاومة لمجرد أنها من مذهب ديني مختلف) فالمهم هو الدفاع عن الأرض وعدم السكوت بوجه الاحتلال […] الفكرة هنا أن المقاومة الإسلامية هي الأقوى والأكثر تأثيراً في الوقت الحالي، ولكنها ليست “النور الوحيد في نهاية النفق”، كل من حمل سلاحاً بوجه المستعمر هو نورٌ في نهاية النفق. ليس هناك تناقض ولا فصام، هناك أولويات ووعي للاعتبارات السياسية القائمة على أرض الواقع، ما يسميه أنس فصاماً أسميه أنا تحكيماً للمنطق […]
أنا أؤمن بأن حريتي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين وأرفض العيش في مجتمع لا يحترم حرية الآخرين، كل الآخرين. المرء له الحرية في حياته طالما أنه لا يؤذي الآخرين ولا يتعدى عليهم بممارساته. والأحزاب الإسلامية أو الدينية ليست شراً مستطيراً كما يروج بعض العلمانيين، بل هي جزء ضروري من العملية السياسية في أي مكان لكي تمثل مصالح المواطنين الذين يؤمنون بها ويقومون بدعمها. ونتفق جميعاً أن الأنظمة الشمولية القمعية غير مقبولة بتاتاً سواء كانت علمانية أم دينية.»
يعلق أحمد بكداش على مدونة أنس أونلاين:
«النص الأصلي:المشكلة من وجهة نظري ليست أن اكون مع أو ضد الأحزاب الدينية، المشكلة يا عزيزي أننا جميعاً نعاني انفصام شخصية أكيد، فكل أحزابنا الدينية واللادينية أحزاب شمولية إقصائية، بدءً بالبعث والقوميّ السوريّ […] وليس انتهاء بالإسلاميين العرب ..»
يبدو معلق آخر، يدعى Hunter، مهتماً أكثر بما تستطيع أن تقدمه الأحزاب السياسية، بعيداً عن خلفيتها السياسية:
«النص الأصلي:سأطرح رأيي على أني مواطن لا يريد إلا شيئين الأول الحرية والثاني الازدهار الاقتصادي إذا كان الحزب الإسلامي سيقدم لي ما قدمه حزب العدالة والتنمية للشعب التركي فيا أهلاً وسهلاً
وإما إذا كان الحزب الاسلامي سيقدم لي ما قدمته حماس أو الإخوان المسلمين فلا أهلاً ولا سهلاً. أريد من يأخذ بيدي إلى التقدم والازدهار وليس من يأخذ بيدي إلى الانحدار الثقافي والفوضى.»
يعتقد المدون السوري ياسين السويحة، الذي يكتب في مدونة أَمواجٌ اسبانيّة في فُراتِ الشّام،أن العلمانية تواجه مشاكل كبرى في العالم العربي:
«النص الأصلي:تعاني العلمانية إلى حد كبير من صورة نمطية سلبية عند الكثيرين مثل تصوير العلمانية ككل بأنها معادية للدين أو أن العلمانيين هم ناس منحطّون و ينادون للانحلال الأخلاقي أو ما شابه، و لا شك أن هذه الصورة النمطية هي إلى حد كبير من إنجاز فئات كثيرة تعادي أي فكرة علمانية انطلاقاً من الإيمان بفكرة دوغماتية دينية ترى في أي نظرية علمانية عدوّة لها، ولكن أيضاً هناك مسئولية كبيرة على عاتق النخب الفكرية العلمانية المختلفة أيضاً من حيث الفشل في نقل الصورة الواضحة عن فكرهم، و قد يكون هذا الفشل بسبب التضييق والمنع والصعوبات المختلفة الأخرى، لكن كثيرين منهم ارتاح في لجوئه إلى برج عاجي وابتعاده عن “العوام”.»
ويستمر ياسين السويحة في شرح أن لا يجب أن نُحَمِّل سياسة بعض البلدان الغربية تجاه المجتمعات الإسلامية على عاتق العلمانية:
«النص الأصلي:إن أصل الصراع على الحجاب هو نزعة قومية يمينية لا تخلو من شوفينية، و هي نزعة رجعية لا علاقة لها بمبادئ الثورة الفرنسية ولا بـ”روح الجمهورية الفرنسية” الرومانسية التحررية، ونجد في ساركوزي وفكره السياسي رمزاً لهذه النزعة التي تتبنّى تعصّباً للهويّة القومية في وجه “الغزو المهاجر”.»
لا يتفق محمد أونلاين مع تحليل ياسين:
«النص الأصلي:أن تبعد تهمة محاربة الحجاب والمظاهر الدينية عن العلمانيين أمر غير وارد لأن هؤلاء اعترفوا في أكثر من مناسبة عن محاربتهم لتلك الأمور.
هل حورب الحجاب في فرنسا فقط؟ ماذا عن باقي الدول الاوروبية؟ ماذا عن منع المآذن في سويسرا والإساءة إلى القرآن في هولندا، ألم يقم بتلك الاعمال القائمين على العلمانية في تلك البلاد؟»
وينضم معلق مجهول للمناقشة:
«النص الأصلي:أنا يا جماعة ماني ضد دين معين بس مافيني طلع عالغرب وقول شوفو شو عم يعملوا وآخد كم حالة وقول عن هالغرب ما بيسوا ومنافق ونحن عنا مشاكل بتتوزع عالكرة الارضية كلها
أنا بتمنى يجي اليوم يلي يتم فيه بالإشارة لأنفسنا بأسمائنا وتقييمنا بأفعالنا .. مش بدياناتنا وطوائفنا.»
محمد مصراطي يضيف صوته إلى المناقشة:
«النص الأصلي:قبلَ البدء في التحدّث حولَ العلمانية في الوطن العربي، علينا التحدّث عن الديمقراطية في الوطن العربي.
المشكلة الأساسية هي الحكم الاستبدادي الذي نتعرّضُ له، وعدم توفّر أي مساحة نعبّر من خلالها عن أفكارنا. فالحاكم العربي باستبداديتهِ وغطرستهِ يعرفُ أنّ الدين هو الوسيلة الفعّالة للسيطرة على شعبه […]
أعتبر نفسي كإنسان علماني مؤمن بالانفتاح، كافرًا بالقومية العربية لأنّها (كفكر) نظرية عنصرية. فنظام كلّنا عرب، قمعَ الكثير من الأعراق التي تقطن الشرق الأوسط، كالأمازيغ في شمال أفريقيا والأكراد في بلاد الشام والعراق…»
تكتب شام، التي تدوّن في طباشير، محاولةً رسم خطاً بين العلمانية والإلحاد:
«النص الأصلي:ما يجمع العلمانية والإلحاد اليوم هو ليسَ أكثر من عدد من الأشخاص فالعديد من الملحدين ينادون بالعلمانية كطريقة للعيش والتعايش ويدافعون عنها ويؤيدونها (تماما ً كما يفعل بعض المتدينون المؤمنون بها كطريقة حياة) و لذا يربط البعض ويخطئ بربطه بين الإلحاد والعلمانية بصورة خاطئة وسطحيّة.»
تضيف رزّان غزاوي، وهي مدونة سورية أخرى، هذا التعليق لتدوينة شام:
«النص الأصلي:إشكالية العلمانية هي انو عم تفترض انو المشكلة تكمن بأي حكم ديني، وهاد افتراض خاطئ لأنو المشكلة هو أولاً الدولة كسلطة بذاتها، وثانياً المشكلة بسلطة رجال الدين ياللي ترجمت إلى ثقافة سلطوية تمتد إلى الحكم وإلى أفراد الشعب ياللي بمارسو هالسلطة على أفراد مهمشين تانيين. المشكلة سلطة وبس، الدين مالو علاقة. ازا حكم ملحد أو ديني أو علماني كلو نفس الشي.»
وما زالت المناقشة مستمرة.
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «سوريا: مدونون يناقشون العلمانية». الأصوات العالمية. 9 مارس - آذار 2010.
شارك الخبر:
|