سوريا: شيء شخصي
الأربعاء 14 أكتوبر 2015
هذا المقال جزء من سلسلة خاصة من المقالات بقلم المدونة والناشطة مرسيل شحوارو، واصفة حقيقة الحياة في سوريا تحت نير الصدام المسلح بين القوات النظامية وكتائب الجيش الحر.
ألتزم بالذهاب إلى جلسات المعالج النفسي بشكل أسبوعي، دون أي مقدار من الشعور بالعار المنتشر في مجتمعاتنا تجاه هذا المفهوم. في داخلي برميل من الذنب يتهاوى يوميًا على ما تبقى في قلبي من عشٍق للحياة.
يوم الأربعاء الساعة الثانية عشرة ..
وقت مسروق من العمل، أقضيه في الحديث عن كل شيء تقريبًا. يعقب المعالج في الجلسة الأخيرة: لكنك لا تحدثينني عن شيء شخصي؟ وأفاجأ جدًا، وأحاول برغبتي الحمقاء أن أبدو دومًا على حق، رغبتي أن أنتصر كما يخبرني أحد أقرب الأصدقاء، أن أثبت لمعالجي أنه مخطئ.
أفشل!!
لا أدرك تمامًا ما هو الشخصي وما هو العام في اليوم السوري الاعتيادي؟ فالأصدقاء هم أصدقاء النضال، يجمعني بهم السجن والهرب وذكرى صديقنا الشهيد. من تبقى يتواصل معي من العائلة، هي أختي التي اضطرت للنزوح لأسباب أمنية تتعلق بي، وحتى نزوحها جزء من النزيف السوري نحو العالم.
عملي، هو امتداد لتنسيقية ثورية. حتى ذوق ثيابي، هو حينًا تحييد لجنسي في اجتماعات أخون فيها حقي كامرأة كي أبدو أكثر جديّة في المفهوم المجتمعي “العام”، أو على العكس هو تعبير عن حريتي في مقابل التدخل الفاجر في خصوصياتنا كنساء. جسدي، لا أدرك أن كنت أحبه أم لا. هو جزء من إيماني بقضية أن الجمال يأتي بأحجام متعددة خارج التصنيف الإعلامي الموّحد عن تعريف الجمال. أسكن مدينة لا أعرف كيف أتصالح معها، لكنها الأقرب لسوريا والأكثر جدوى ضمن المتاح من الخيارات، بحيث يغدو شعوري تجاهها غير مهم تمامًا “أمام المصلحة العامة”. كل ما أقرأه هو عن الثورة وثورات الآخرين، وأحيانًا حروبهم، كهوسي الحالي في القراءة عن الحرب الأهلية اللبنانية. كل ما أكتب هو عن الثورة وثوراتها في داخلي.
منذ مدّة خرجت بموعد مع شاب، كانت إحدى أحاديثه الافتتاحية، ربما ليثير إعجابي، هل سيعقد مؤتمر جنيف 3 قريبًا؟
نسيت كيف نتعرف على شخص عادي لنتحدث أحاديث عادية، لا أعرف من الموسيقا الجديدة غير تلك الثورية في السنوات الخمس الماضية.
لا شيء شخصي بتاتًا.
حتى مقدمة مقالتي هذه، أو اعترافي بالذهاب إلى المعالج، هي لتشجيع من هم مثلي على الاعتراف بكآبتهم. مقدمة “هادفة” بدورها. هناك مسلح في داخل رأسي، ومفخخة أفراحي بالقنابل، وألف معبر وقناص يمنع عبور حتى الذكريات الماضية.
في بداية الثورة، اعتاد موالو بشار الأسد أن يلومونا على معارضتنا للنظام بأن يقولو لنا “أنها مبنية على مشاعر شخصية”. كانوا يودون أن يسلبوا حق الأهالي بكراهية نظام قتل واعتقل وخطف أبناءهم، ولكن ما هو الشخصي وما هو العام في عدائك لمن يرغب بأن يقتلك لمجرد محاولتك استعادة حقوقك منه “العامة والخاصة”.
بعد هذا العصف الذهني من الأفكار، لا أستطيع أن أغضب من معالجي، أتفادى النظر إليه. هو محقٌ تمامًا وعليّ أن أتخلى عن جدالاتي “سلميًا” وأعترف:
– أنا أخاف منها
ابتسم بلطف كعادته عندما ينجح باختراق “التذاكي” الخاص بي وكل محاولات ادعاء القوة والسخرية السوداء ويحصل مني على إجابة صادقة. وأبادله الابتسامة وأكمل:
– أنا أخاف من الأشياء الشخصية، أخاف حتى من شخصي ذاتها، لست أقوى على تحمل التغيير الذي سأعاينه فيها إن أنا جلست معها وحيدة نستمتع بأشياء “شخصية”. كم أصبحت أشبه الحرب، لا الثورة. مملوءة بالموت والأوبئة، ويمنعني الشعور بالذنب من أن أصرخ أن الثورة المعافاة هي نتاج “أشخاص” أولاً.عليهم هم أن يكونوا معافين.
أنا أخاف من شخص مرسيل، من وحدتها، من بوصلتها المضطربة قيميًا، من علاقتها التي لا تدريها مع إله اعتادت أن تركن إليه في كل اللحظات قبل “الحرب”. أنا أخاف أن ألتقي الشخص فيها، فترعبني.
يطلب مني للقائنا المقبل أن أبحث عن مساحات “شخصية” استمتع فيها. وأشعر أنا، المولعة بالتحديات، أن هذه من أصعب المهام التي سأواجهها هذا العام..
شخصي؟ مثل ماذا؟
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «سوريا: شيء شخصي». الأصوات العالمية. 14 أكتوبر - تشرين الأول 2015.
شارك الخبر:
|