روسيا: التجربة الإسلامية الحديثة في موسكو
الثالث 27 مارس 2012
الكثافة السكانية المتنامية للمسلمين في موسكو تجسد التجربة الحديثة للأقليات العرقية والدينية في روسيا، في ظل خلفية من الأحداث التارخية التي شكلت المفهوم الروسي عن الغرباء وبالتالي أثرت على السياسات الحكومية والمجتمعية المتعلقة بهم.
نوفجورود، تأسّست في القرن التاسع الميلادي، تحتضن واحدا من أقدس المواقع الأثرية للبلاد – نصبا تذكاريا يسمى، “ الألفية الروسية.” خلال الحرب العالمية الثانية، سقطت المدينة في أيادي جيوش هتلر، ووضعت خطط لتفكيك النصب التذكاري وإعادة بنائه في ألمانيا، سبق ذلك استعادة نوفجورود من قبل الجيش السوفييتي المنتصر في عام 1944.
قبل قرون من الاحتلال النازي، احتلت جيوش المغول روسيا لمدة تقارب المئتين سنة، استمر ذلك حتى رفض ايفان الثالث (“ايفان العظيم”) دفع الجزية للخان أحمد في عام 1476. هذا يعني أنه بينما كانت أوروبا الغربية تنعم بالإنجازات العلمية والثقافية غير المسبوقة أثناء عصر النهضة، كانت روسيا ترزح تحت سطوة الهيمنة الأجنبية.
كتب كريزيبنجوين في موقع لايف جورنال، تعليقا على موضوع [بالروسية] ليس له علاقة بما نطرحه في هذا المقال، حول النسب المتفاوتة في العام 2010 بين عدد الكنائس مقارنة بعدد المرتادين لها، وعدد المساجد مقارنة بعدد المرتادين لها، في موسكو:
«النص الأصلي:[…] مع نهاية العام 2010 كان يوجد في موسكو ثمانمئة وسبعة وثلاثين كنيسة تابعة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية – بطرياركية موسكو. بينما، قدمت الخدمات الكنسية في مئتين وواحد وسبعين كنيسة منها فقط. […]
يوجد في موسكو وفق احصائيات تعود لشهر يناير 2012، 11629116 نسمة، ومنهم ما نسبته 91.65 من الروس (علما بانها احصائيات تعود لعام 2002). هذا يعني أن هنالك 10.5 مليون مواطن روسي. ومن هؤلاء، مليونين من المسيحيين الأرثوذكس – المقصود أنهم يذهبون إلى الكنيسة مرة واحدة في العام على الأقل (حسب موقع برافميرpravmir.com بوابة إلكترونية للمسيحيين الأرثوذكس على الإنترنت) . […] ينما في الواقع العملي، فقط ما تقع نسبته بين الواحد بالمئة والواحد والنصف بالمئة من عموم السكان أعضاء ناشطون في رعاية الكنيسة […] ولكل كنيسة يوجد ألفين وخمسمئة عضو في الرعية.
على سبيل المقارنة، يوجد في موسكو ستة مساجد. وتصل نسبة المسلمين فبها إلى العشرة بالمئة تقريبا، مع الأخذ بالاعتبار أنهم يساهمون بشكل أكبر بممارسة الشعائر الدينية. هذا يعني ان لدينا ستة ملايين مسلم في موسكو وفي المقابل ستة مساجد. أي مئة وخمسون ألف مصل محتمل للمسجد الواحد. وحتى لو ذهب واحد بالمئة فقط من مسلمي موسكو إلى المساجد للصلاة بانتظام، سيكون الرقم عندها خمسة عشر ألفا للمسجد الواحد. […]»
شرح مواطنين من منطقة آسيا الوسطى عبر مدوناتهم، المصاعب التي يواجهها مسلموا موسكو، وحثوا القراء على الدعاء للذين هاجروا من وطنهم إلى موسكو بحثاً عن عمل:
«النص الأصلي:نرجوكم ان تقوموا بالدعاء للمواطنين الوسط آسيويين الذين هجروا عائلاتهم وأوطانهم لكي يعملوا في موسكو. هم في العادة لا يلاقون بالترحاب هناك. يتعرض العديد منهم للمضايقة وممارسة التمييز ضدهم. رغم أنهم يعملون في بلاد تدعي اعتناقها الدين المسيحي، فنادرا ما يروا أو يسمعوا أخبارا سارة.
وحينما تمتلئ الشوارع والأرصفة في موسكو بالثلوج تتم إزالتها عادة فور نزولها على الأرض. يستيقظ الناس كل صباح على صوت احتكاك المعادن بالأرصفة الأسفلتية. ينتج هذا الصوت عن فرق من منظفي الشوارع يقومون بعملهم، تعود أصول معظمهم إلى بلدان آسيا الوسطى. لقد غادر معظم هؤلاء العمال منازلهم في قرجيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان ودول أخرى من آسيا الوسطى. هم الآن في موسكو لتوفير المال حتى يرسلوه لعائلاتهم. يعمل هؤلاء الرجال اثنا عشر ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع. والشكر الوحيد الذي يتلقونه مقابل عملهم الجاد راتب زهيد ومضايقات من السلطات المحلية فقط بسبب لون بشرتهم. أثناء عملهم في موسكو يعيش الكثير منهم في وحدة، وفي شوق لعائلاتهم ويبحثون عن دافع للاستمرار في العيش.»
تضمنت مدونة دوننا ويليس نكتة تشكف لنا أن رهاب الأجانب يتلائم جيدا مع الثقافة الروسية القديمة والمعقدة:
«النص الأصلي:“في يوم من الايام وقف أجنبيان في الساحة الحمراء في موسكا وعندما نظرا إلى الكرملين شعرا بالرهبة . وأرادا أن يصبحا روسيين وأن يشعرا كروسيين لذا سألا رجلا مسنّا عن اذا كان يعرف طريقة تجعلهما روسيين. أخبرهما الرجل أن يتسلّقا الكرملين ويلمسا أي نجمة حمراء من على أحد أبراج الكرملين وأضاف أن هذا كفيل بأن يحولهما إلى رجلين روسيين في نفس اللحظة.
تسلق الرجلان البرج ولمس أحدهما النجمة فتحول من لحظتها. أصبح يستطيع كتابة شعر غزلي كما بوشكن نفسه ويؤلف سمفونيات مثل تشايكوفسكي، كما أنه يستطيع الرقص والقتال والشعور بعمق كما أي روسي.
وبعد لحظات، طلب الرجل الثاني من الأول أن يمد اليه بيده ليساعده على لمس النجمة ليتحول لروسي. فما كان من الأول إلى أن يركله في فمه ويقول، ‘أغرب عن وجهي أيها الأجنبي القذر!'”»
قامت مدونة “الإسلام في أوروبا” بنشر مقتطفات من مقالة نشرها موقع انترفاكس في فبراير 2012 بعنوان، “موسكو: الاشتباه بتورط ضباط شرطة ذوي رتب عالية في عمليات لابتزاز المجتمع المسلم، “في إطار جهود لتسليط الضوء على المخاطر الحكومية التي تواجهها الأقليات إضافة إلى المخاطر المجتمعية:
«النص الأصلي:قدم ضباط من الأمن الفيدرالي تقريرا إلى مكتب النائب العام جاء فيه أن عددا من كبار ضباط وزارة الدلخلية من القسم الرئيسي لمكافحة التطرف قاموا عبر الابتزاز بالحصول على مبالغ مالية كبيرة من المجتمع المسلم في موسكو، حسب تقرير للكوميرسنت دايلي.
” حصل ضباط الأمن الفيدرالي على معلومات تفيد بأن عملية ابتزاز كبيرة حدثت في سوق ليفورتوفسكي موسكو قبل عطلة عيد رأس السنة. وفق هذه المعلومات، فقد ذهبت مجموعة من ضباط الشرطة بالذهاب إلى السوق بحجة إجراء تفتيش، عطلوا السوق وطالبوا التجار بمليون روبيل (العملة المستخدمة في روسيا) ليسمحوا لهم بمتابعة أعمالهم ،” كتبت صحيفة الكوميرسنت.
[…]
ووفقا للكوميرسنت، قالت الشرطة أنها كانت تتحقق من تقارير أفادت بوجود مركز غير قانوني للمتطرفين تحت غطاء مصلى في السوق، كان يزوره التجارالمسلمون والعمال الطاجيك من مواقع البناء القريبة.»
حاول دنيسابوزنكوف على موقع لايف جورنال مواجهة الانتقادات الغربية الموجهة لبلاده حول التسامح الديني عبر استشهاده بعدد من الأمثلة على التعايش السلمي والقول بأن الولايات المتحدة تستفيد من هذه الادعاءات لإبعاد الأنظارعن سياساتها الذاتية المتعلقة بالحريات المدنية:
«النص الأصلي:طلبت لجنة للحرية الدينية من البيت الأبيض ان يمنح “اهتماما خاصا”لمسألة الحريات الدينية في روسيا. […]
قد يكون صحيحا أن حقوق المسلمين انتهكت في الشيشان، حيث يوجد أكبر مسجد في أوروبا، أو في موسكو،حيث تم في السنة الماضية تخصيص ثمان مخططات لبناء مساجد، أو في [بلدة المدون الأصلية ايفانوفو]، حيث تعطى […] ساحات خاصة للجاليات المغتربة للاحتفال حسب تقاليدهم في جميع المناسبات، وهذا يشمل الدينية منها؛ ربما الهندوس مضطهدين، لكن هنالك جاليات هندية في كل المدن الكبيرة ويقيمون مهرجاناتهم التقليدية في المناطق العامة ويحتفلون بعيد الكريشنا؛ أو اليهود، حين يتم من حين لآخر دعوة الحاخام الأكبر لروسيا إلى مؤتمرات من المستوى الرفيع. أو ربما يكون الامر بالمقلوب، وهو أن حقوق المسيحيين منتهكة؟! […]
ربما لا تكون هذه المشاكل في روسيا، لكن في الولايات المتحدة، والتي تبعد اللوم عن نفسها؟ وربما يكون عدد المساجد في أمريكا يزداد، ولكن دعونا لا ننسى أنها (المساجد) من حين لآخر مهددة بالتفجير.
[…]
لذا لا تصدقوا يا أصدقاء هذه الدعاية الغربية.»
أخيراً، أعطت مدونة يوري مامشر الروسية القراء أملا وأدلة على تفهم متعدد الثقافات طويل الأمد في مقال منشور في نوفمبر 2011 بعنوان، “170000 مسلم يحتفلون بعيد الأضحى المبارك في شوارع موسكو”:
«النص الأصلي:اليوم، احتفل 170000 مسلم بعيد الأضحى المبارك. كان القوميون الروس يتوقعون فوضى عرقية وانفجارات إرهابية وصدامات عنصرية. على الرغم من ذلك، كانت الاحتفالات سلمية ومبهجة. حضر في أحد مساجد موسكو 80000 شخص! ورغم أن شرطة موسكو استعدت لموقف بالغ الصعوبة، فقد انبهر الضباط بسير الأحداث السلس. جاء الاحتفال الناجح والمسالم وسط توترات قومية اشكالية في المجتمع الروسي، من المهم التصريح بأن المسلمين والمسيحيين الروس يمكنهم التعايش، كما فعلوا في الخمسمئة سنة الماضية.»
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «روسيا: التجربة الإسلامية الحديثة في موسكو». الأصوات العالمية. 27 مارس - آذار 2012.
شارك الخبر:
|