تهريب السائل المنوي من السجون الإسرائيلية: فرصة الأسرى الوحيدة للإنجاب
الجمعة 18 ديسمبر 2015
نشر الموضوع لأول مرة على موقع رصيف22، وتعيد الأصوات العالمية نشره باتفاق مع الموقع
«النص الأصلي:عمّار المأمون»
لم يقف الأسرى الفلسطينيون مكتوفين أمام سجّانهم الذي يحرمهم الحق في الإنجاب وتكوين أسرة. وكانت فكرة “تهريب النطف” أو السائل المنوي من داخل السجون إلى زوجاتهم هي الحل الوحيد الذي من خلاله يتمكن الأسير المتزوج من الإنجاب.
تاريخ الفكرة
بدأت فكرة تهريب النطف من الأسرى الفلسطينيين تراود قيادة حركة الأسرى مع بدايات عام 2000، مستفيدين من التقدم الطبي. حينذاك، هُرّبت رسالة من السجون تسأل عن موقف الشرع الإسلامي من الفكرة. وبرغم التباين في موقف الأسرى من المسألة، أصبحت القضية محل اهتمام وقبول من المجتمع خاصة بعد أن حصلوا على فتاوى شرعية من الدكتور يوسف القرضاوي وعلماء مسلمين آخرين تجيز الإنجاب عبر “النطف المهربة”.
وبعد ذاك، سمحت قيادات الفصائل بالأمر حتى أصبح مقبولاً اجتماعياً. في هذه الظروف المستجدّة انطلق الأسرى نحو تكوين أسر برغم بعدهم عن زوجاتهم.
وسُجلّت أول قصة نجاح عندما هرّب الأسير الفلسطيني عمار الزبن، من الضفة الغربية، نطفة إلى زوجته بداية عام 2012 ورُزق مولوده الأول مهند. وحذا حذوه عشرات الأسرى الذين تمكنوا من الإنجاب بالطريقة نفسها. وفي قطاع غزة، أثمرت الفكرة حتى الآن، ست حالات نجاح.
آخر قصة نجاح في غزة
الأسير أحمد السكني، من سكان قطاع غزة، وزوجته شيرين العتّال هما أصحاب آخر قصة نجاح في الإنجاب عبر نطفة مهرّبة.
اعتقل السكني قبل 13 عاماً وحُكم عليه بالسجن 27 عاماً. ترك خلفه زوجته وطفله الأول طارق، 12 عاماً. ولكن قبل عامين، توفى الفتى في حادث سير بعد عودته من رحلة ترفيهية ضمت عدداً من أبناء الأسرى.
قالت شيرين لرصيف 22: “لم أفكر قبل خسارة ابني بالإنجاب عبر النطف المهربة. سبق أن طرح زوجي ومَن حولي الفكرة عليّ، وكنت أرفض بشدة لأنها مسؤولية، كما أنه لا يمكن تعويض فراغ الأب بالنسبة للأطفال. لكن بعد وفاة ابني بدأت أتقبل الفكرة وخضعت لعلاج وتهيئة نفسية لمدّة ثلاثة أشهر قبل عملية الزرع، وتمت العملية بنجاح وأنجبت توأمين هما [1] معتز وسوار”.
وكان الأسير السكني قد مرّ بظروف نفسية صعبة بعد فقده ابنه طارق، وهو لم يتمكن من رؤيته سوى مرة واحدة أثناء وجوده داخل السجن. فكان إنجاب التوأمين بمثابة حياةٍ جديدة وُهبت له.
لم تُفصح الزوجة السكني عن كيفية تهريب النطف، لكنّها أشارت إلى أن الأسير يستغل أيّة وسيلة تُتاح له برغم بساطتها للتهريب. واعتبرت “أن إنجاب الأسير وهو داخل السجن، أقوى رسالة منه إلى سجانّه عن حبّه للحياة ورفضه للقيود التي تُكبله”.
لا يزال هاجس خسارتها ابنها طارق يراودها. وتقول إن “مسؤولية التربية والمتابعة والسؤال المستمر عن الأب كله يقع على كاهل الأم، ومهما حاولت التعويض، فهذا لا يسدّ الفراغ الكبير الذي يتركه غياب الأب”.
قصة هناء الزعانين
[2] حسن الزعانين هو أول طفل يولد في غزة عبر نطفة أسير مهربة من السجن. وروت أمه هناء الزعانين، 28 عاماً، أن “الاحتلال اعتقل زوجي تامر عام 2003، بعد زواجنا بشهرين وحكم عليه بالسجن 12 عاماً”.
شغلت هناء نفسها بإكمال دراستها الجامعية. وكثيراً ما طُرح عليها خيار الانفصال عن زوجها الذي لا يربطها به سوى “عقد شرعي وشهرين”، لكنّها رفضت ذلك.
لم تكن هناء تتخيل أنها ستتمكن من احتضان طفلها من زوجها الأسير قبل أن تنتهى مدة محكوميته. إلا أن ولادة زوجة الأسير عمّار الزبن عبر “النطف المهربة” لفتت نظرها إلى هذه الوسيلة الجديدة. وقد دفعها ذلك إلى مناقشة الأمر مع أهلها وزوجها فلاقت الفكرة قبولاً منهم.
وقالت: “بعدها مباشرة اتفقنا على آلية لتهريب النطفة. وتابعت في مركز البسمة للإنجاب، أحد أهم المراكز المختصة بالتلقيح الصناعي في غزة، ونجحت عملية الزراعة من المرة الأولى بحمد لله ورزقت حسن في يناير 2014″.
الصعوبات التي واجهتها قبل فترة الزراعة أبرزها القلق الدائم من فشل العملية والضغط النفسي طوال فترة الحمل. لكنها لم تفقد يقينها بنجاح العملية. ورفضت هي أيضاً الإفصاح عن الطريقة التي هُرّبت من خلالها النطفة، لكنّها ذكرت بضع وسائل يمكن للأسير من خلالها تهريب النطفة منها “في نواة تمرة أو حبة شوكولاتة أو كبسولة دواء”.
وعن شعورها لحظة إعلامها بنجاح عملية الزراعة، قالت: “لم أسمع ما قاله لي الطبيب. أتتني الفرحة حينما سمعت زغاريد الأهل ورأيت دموعهم. حينها لم أتمالك نفسي وشعرت كأنني وُلدت من جديد”.
بعد مرور سنة وخمسة أشهر على ولادة الزعانين، أعادت الكرة لكنها فشلت. وبرغم استيائها، لا تزال مُصرّة على تكرار التجربة مرات عدّة حتى تنجح.
“النطف المهربة” رسالة حياة
واعتبر صابر أبو كرش، مسؤول في وزارة الأسرى والمحررين الفلسطينية في غزة، أن “تهريب النطف هو ثورة إنسانية كبيرة يخوضها الأسرى ضد غطرسة الاحتلال، وأثمرت قصص نجاح عدّة كان لقطاع غزة جزء منها”. وأضاف لرصيف22 أن “إنجاب عشرات الأطفال عبر النطف المهرّبة هو إنجاز كبير لا يمكن تجاهله، وهو الأول من نوعه على مستوى العالم، مما يدلّ على تحدي ظروف العزل والقهر المفروضة على الفلسطينيين في سجون الاحتلال”.
وعن موقف إسرائيل من قضية التهريب أوضح أنه “يرفضها بل يرفض أي إنجاز للأسير مهما كان بسيطاً، فما بالك بالإنجاب”. وشرح “أن الاحتلال اتبع إجراءات عنصرية بحق أبناء الأسرى الذين وُلدوا بهذه الطريقة من خلال منعهم من زيارة آبائهم وعدم الاعتراف بهم، لكنّ ذلك لا يُثني الأسير عن الاستمرار في ثورته الإنسانية وانتزاع حقوقه”.
وأشار إلى أن إدارة السجون الإسرائيلية لم تتمكن حتى الآن من الكشف عن الطرق التي يستخدمها الأسرى لتهريب النطف و”معرفة الاحتلال عن القضية كانت من خلال وسائل الإعلام فقط مما دفعه إلى تشديد الإجراءات الأمنية على الأسرى”.
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «تهريب السائل المنوي من السجون الإسرائيلية: فرصة الأسرى الوحيدة للإنجاب». الأصوات العالمية. 18 ديسمبر - كانون الأول 2015.
شارك الخبر:
|