بعد مرور أكثر من أربعين عامًا على اغتياله، ما تزال أعمال فيكتور خارا مفتاحًا لفهم السلطة

من ويكي الأخبار

الأحد 20 سبتمبر 2015


يوافق أسبوع الرابع عشر من أيلول/سبتمبر الذكرى الثالثة والأربعين لاغتيال كاتب الأغاني التشيليّ فيكتور خارا عقب الانقلاب العسكري الذي أسقط حكم سالفادور أللينيدي.

«النص الأصلي:Hace 42 años asesinaron a Víctor Jara, justicia ahora!!!

— david ibarra (@davidib30560914) September 15, 2015»

«ترجمة:منذ اثنين وأربعين عامًا اغتالوا فيكتور خارا. العدالة الآن!!»

من دون شكّ، ورغم كلّ ما عايشته تشيلي من تغيّرات سياسية واجتماعية هائلة في العقود الأخيرة، لم تهدأ الأفكار إلى الآن حول معنى ما تركه فيكتور خارا من ميراث موسيقيّ؛ حيث فاضت التأبينات على شبكات التواصل الاجتماعي بالتقدير لأعمال خارا مستشهدةً كيف حملت كلماته وأغنياته لغة استنكار ومقاومة في ظلّ ما ساد من صمت تحت الحكم العسكري برئاسة أوغوستو بينوشيه.

كان خارا هو الصوت الأول لما يُعرف اليوم ب الأغنية التشيليّة الجديدة ، ذلك النوع من الموسيقى الذي سعى إلى تحدّي طبقة النُخبة المحافظة في البلاد. طرح كاتب الأغاني أهمّ النقاشات السياسية القومية والعالميّة لتلك الفترة من خلال أغنياته، كتلك المتعلّقة ب حرب فيتنام وحقوق العمّال من نساء ورجال تشيلي. مثال على ذلك أغنيته فلنقصّ أسلاك السياج:

Víctor Jara \"A desalambrar\" على يوتيوب

«النص الأصلي:Yo pregunto a los presentes

Si no se han puesto a pensar

Que esta tierra es de nosotros

Y no del que tenga más;

Yo pregunto si en la tierra

Nunca habrá pensado usted

Que si las manos son nuestras

Es nuestro lo que nos dé.

A desalambrar, Victor Jara.»

«ترجمة:أسألُ الحاضرين

إن كانوا قدّ فكّروا يومًا

أنّ هذه الأرض لنا

وليست لمن يملك أكثر

أسألُك إن كنت ستفكّر

في الأرض على الإطلاق

في أنّ الأيادي أيادينا

وأنّه لنا ذلك الذي تمنحه

فلنقصّ أسلاك السياج – فيكتور خارا»

كان خارا ناقدًا دائمًا لتوزيع السلطة غير المتكافئ في تشيلي، ومساندًا مخلصًا ونشِطًا لسالفادور أللينيدي الذي فاز بالانتخابات الرئاسية 1970 ليصبح بذلك أول حاكم اشتراكيّ يصل إلى السلطة في منتصف الحرب الباردة.

على عكس المتوقع، حظى فوز أللينيدي بتحالف عالمي إلا أنّ إصلاحاته السياسية والاجتماعية مثّلت تحديًّا أمام سياسات طبقتيّ النخبة في تشيلي والولايات المتحدّة التي أرادت حماية مصالحها الاقتصاديّة في البلاد.

نهاية مآساوية:

أدّت معارضة سياسات أللينيدي إلى توّترات حادّة انتّهت ب الانقلاب العسكري بقيادة أوغوستو بينوشيه. أكّدت الوثائق الرسمية أخيرًا انتحار سالفادور أللينيدي بينما كانت تتقدّم القوّات نحو محلّ إقامته. في اليوم التالي نُقِل فيكتور خارا مع كثيرين آخرين إلى ستاد تشيلي (ستاد فيكتور خارا الآن)، حيث تمّ تعذيبه واغتياله.

تُستَحضر هذه القصّة بانفعال أكبر هذا العام بعد أن صدر الحكم نيسان/أبريل الماضي على العسكري التشيليّ السابق بيدرو باريينتوس باعتباره أحد المشاركين في جريمة الاغتيال. وفقًا لحيثيات الحكم على باريينتوس فإنه في العام 1973:

«النص الأصلي:[Victor Jara] fue reconocido por el personal militar instalado al interior del Estadio Chile, siendo separado del resto de los prisioneros, para ser llevado a otras dependencias ubicadas en los camarines, ocupadas como salas de interrogatorios, donde fuera agredido físicamente, en forma permanente, por varios oficiales.»

«النص الأصلي:“تمّ التعرّف على فيكتور خارا من قِبل أحد العساكر العاملين داخل ستاد تشيلي بينما يُنقل بمعزل عن باقي السجناء إلى وحدات أخرى بقسم تغيير الملابس تُستخدم كغرف للاستجواب حيث تمّ الاعتداء عليه جسديًا بالتناوب من قِبل عدد من الضبّاط.”»

بوريس نابيا في مقاله الساعات الأخيرة في حياة فيكتور خارا يروي أيضًا ما حدث:

«النص الأصلي:Y llegamos al fatídico sábado 15 de septiembre de 1973. Cerca del mediodía tenemos noticias de que saldrán en libertad algunos compañeros. Frenéticos, empezamos a escribirles a nuestras esposas, a nuestras madres, diciéndoles solamente que estábamos vivos. Víctor sentado entre nosotros me pide lápiz y papel. Yo le alcanzo mi libreta, cuyas tapas aún conservo. Y Víctor comienza a escribir, pensamos en una carta a Joan su compañera. Y escribe, escribe, con el apremio del presentimiento. De improviso, dos soldados lo toman y lo arrastran violentamente hasta una de las casetas de transmisión…»

«النص الأصلي:ووصلنا إلى التاريخ المشؤوم السبت الخامس عشر من أيلول/سبتمبر 1973. قرب الظهيرة وصلتنا أخبار أنه سيتمّ الإفراج عن بعض الرفاق؛ كالمسعورين بدأنا نكتب لزوجاتنا وأمهاتنا لنخبرهم فقط أنّنا على قيد الحياة. كان فيكتور يجلس بيننا وطلب منّي قلمًا وورقة فناولته دفتري (الذي لا زلت أحتفظ بغلافه إلى الآن) وبدأ بالكتابة. فكّرنا ماذا سيكتب في الخطاب الذي سيرسله إلى صديقته جون. راح يكتب، ويكتب، بسرعة من لديه حدس أن أمرًا سيئًا سيحدث. فجأة أتى جنديّان لأخذه وسحباه بعنف إلى إحدى وحدات البثّ الإذاعي…»

تستكمل الشهادة رواية جزء من الاعتداءات والتعذيب الذي تعرّض له فيكتور خارا، يلي ذلك وصف للحظة العثور على جسد كاتب الأغنيات وأجساد معتقلين آخرين وقد فارقتها الحياة، ثمّ رؤية حول ما كان بمثابة الخَلاص بعد تلك التجربة المآساوية:

اقتباس فارغ!

اقتباس فارغ!

“أغنيتي أغنية حرّة”:

أمام وقائع بهذا العنف يبقى السؤال عن تأثير الموسيقى وطريقتها في إفزاع السلطة شاغلًا لأذهان الكثيرين من أمريكا اللاتينيّة. إلى أيّ حدٍّ بوسع موسيقى الاحتجاج أن تؤذي حاكمًا؟ إلى حدٍّ كبير. قصّة فيكتور خارا دليلٌ على ذلك. بإمكان الموسيقى أن تصل إلى مستوى معقّد من السيطرة على خيال الاشخاص؛ بإمكانها حتى أن ترسم طرقًا لتحرّر الكثير من الطبقات المضطهَدة، واضعةً أولئك المتشبثين بالسلطة في خطرٍ محدق.

يساعدنا الفيلسوف أنطونيو نيجري في فهم هذه الأفكار والطريقة التي قُدّمت بها في أعمال خارا:

«النص الأصلي:La emancipación es la lucha por la libertad de la identidad: la libertad de ser quien verdaderamente [ya] eres; la liberación apunta a la libertad de la autodeterminación y autotransformación: la libertad de determinar lo que [nunca fuiste y] puedes devenir.»

«النص الأصلي:التحرّر هو الكفاح من أجل حريّة الهويّة: حريّة أن تكون من أنت عليه حقًّا (حتى الآن)؛ التحرّر يتطلّب حريّة الإقرار بالذات وحريّة تحوّلها: حريّة أنّ تحدّد (ما لم تكنه يومًا) وما يمكن أن تصبح عليه.»

غطّت موضوعات أغنيات خارا كلّ ما يتعلّق بالسلطة والتحرّر، حيث لامس المفهومان الكثير من خيوط قضيّة أمريكا اللاتينيّة: كالعودة إلى تقدير قيمة العمل، وإحياء اللغات المحليّة، والقدرة على التحاور، ومحبّة المحيطين بنا أو محبّة الأرض التي هي الأمّ والحامية في كثير من التقاليد الإقليميّة.

نبّهتنا مؤلّفاته كذلك إلى مظاهر السلطة التي تحيط بنا كعادات يوميّة، لكنّه لم يقنع بوصف ذلك التناقض بين ما يريده مجموعة من الناس وما يعرضه المجتمع في المقابل؛ فدعانا إلى الحلم بعالم في المستقبل حيث هناك أشكالاً جديدة لصِلتنا بالحياة. كان لديه مشروعًا ضمنيًا استطاع من خلاله الأمريكولاتينيّون أن يصبحوا ما لم يكونوا عليه قطّ.

قارن خارا هؤلاء المسمّون أحرارًا بحلقاتٍ في سلسلة جماعية طويلة هي أغنيّته الحرّة:

CANTO LIBRE -VICTOR JARA على يوتيوب

«النص الأصلي:Mi canto es un canto libre

que se quiere regalar,

a quien le estreche su mano,

a quien quiera disparar,

Mi canto es una cadena

sin comienzo ni final

y en cada eslabón

se encuentra el canto de los demás.

Canto Libre, Victor Jara.»

«ترجمة:أغنيتي أغنية حرّة

تريد أن تُهدَى

إلى من يمدّ يده

إلى من يحبّ إطلاق النار

أغنيتي سلسلة

لا بداية لها أو نهاية

وفي كل حلقة

هناك أغنية لآخرين

أغنية حرّة – فيكتور خارا»

“فيكتور خارا حيّ”:

هذه الطريقة في النظر إلى العالم كانت تؤرّق حكم بينوشيه ورؤيته للقوة كسلطة كثيرًا. أن تتعلّم النظر إلى ديكتاتوريّات أمريكا اللاتينيّة من خلال مصالحها في حفظ العلاقات غير المتكافئة هو أيضًا أمر يعود الفضل فيه إلى إسهامات “شعراء جوّالين” أمثال فيكتور خارا. لهذه الرسالة صدى يتردّد رغم أنف الزمن والرقابة كما تحكي – رفيقة مؤلّف الأغاني ورئيسة مؤسسة فيكتور خارا القائمة منذ العام 1993 – جون خارا:

«النص الأصلي:[… La memoria] de Víctor nunca se fue de Chile. Pero en el fondo pasó 20 años absolutamente clandestino aunque de alguna forma muy presente. Fueron los jóvenes que no habían conocido a Víctor que mantenían su memoria. Me quedé impresionada cuando visité Chile en los años 80 por la presencia de Víctor entre los jóvenes: conocían sus canciones a pesar que no se escuchaban en las radios. Seguía la censura, una censura en los medios de comunicación. Una especie de autocensura.»

«النص الأصلي:لم تفارق ذكرى فيكتور تشيلي أبدًا. الحقيقة أنّه أمضى عشرين عامًا صامتًا تحت الأرض لكنّه كان حاضرًا بطريقة ما. كان أولئك الشباب الذين لم يعرفوه هم من أبقوا على ذكراه. عندما جئت لزيارة تشيلي في الثمانينيّات، أصابني الذهول بحضور فيكتور بين الشباب: كانوا يعرفون أغنياته بالرغم من أنّهم لم يستمعوا إليها عبر الراديو، وكانت لا تزال الرقابة مستمرة: رقابة على وسائل الاتصال، ونوعًا ما رقابة ذاتيّة.»

أصبح أمرًا حيويًا اليوم أن تميّز قوة الموسيقى بكل أنواعها، وخصوصًا تلك التي تخرج من موسيقيّين يؤمنون بالقدرة على تغيير محيطهم؛ فبسبب تلك القدرة المذهلة على رسم المستقبل القادم حتمًا بالموسيقى، تجد أعمال فيكتور خارا صدىً واسعًا في كثير من أنحاء أمريكا اللاتينيّة، أو على الأقل هذا ما يتناقله المشاركون في التأبين السنوي المعروف باسم ألف جيتار من أجل فيكتور خارا، والذي يحتفي بالموسيقيّ الرائع كل عام منقذًا الذكرى التي أرادت الديكتاتوريّة انتزاعها منهم.

Tercer Ensayo- MIL GUITARRAS PARA VICTOR JARA 2015. على يوتيوب

مصادر[عدل]