الهجوم الإرهابي في نيس مناسبة لاحترام الألم أينما كان
الجمعة 22 يوليو 2016
وُلدت في نيس بفرنسا حيث اشتغل آبائي لبضع سنوات قبل أن يشدو رحالهم إلى مدغشقر. لقد تعلّمت المشي مع جدي في سيميز أريناس، المنتزه جانب التل. كان عمري ثلاث سنوات عندما رافقته للمنتزه الذي أصيب فيه بأولى السكتات الدماغية التي ستنهي حياته بعد سنوات من ذلك.
أثناء مشاهدتي للخراب الذي تسبب فيه رجل متهور يقود شاحنة باتجاه حشد من الآلاف في هذه المدينة خلال الليلة الأخيرة من الاحتفالات بيوم الباستيل، متسببًا في مقتل 80 شخصًا على الأقل، بادر إلى ذهني صور الأطفال والنساء والرجال الذين يركضون بينما تنعطف شاحنة متغولة باتجاههم بسرعة خيالية.
استيقظ هذا الصباح أولياء الضحايا والسكان والزملاء غاضبين وحزينين، محاولين بجهد استيعاب حقيقة فقدان أحبائهم والصدمة التي تعرضت لها المدينة. هذا ثالث هجوم على الأراضي الفرنسية في ظرف 20 شهرًا. تمّ الإعلان عن يوم حداد، فضلًا عن تمديد حالة الطوارئ التي أعلن عنها عقب هجمات نوفمبر ثلاثة أشهر أخرى (من المقرّر أن تنتهي في 26 يوليو/تموز). وتعتبر كذلك واحدة من الهجمات الأكثر دموية التي شهدها العالم في غضون بضعة أشهر.
قبل أن نتطرّق “لماذا ومن وكيف كان بالإمكان منع هذا”، هنا نداء لأن نتمهّل قليلا مع التحليلات ووجهات النظر المتسرعة. دعونا نتوقف عن محاولة إيجاد حلّ لمشكلة توثر على العالم أجمع—ليس بعد. دعونا نتوقف عن محاولة مقارنة حجم مختلف المآسي ومقدار الألم الذي يحسّ به الناس. دعونا، في هذه اللحظة، نحترم الألم. الألم أينما وجد.
ترعرعت في مدغشقر، وهذا تقليدنا وقت وقوع فاجعة: يأتي الأصدقاء والعائلة جميعهم ليعتنوا بالمتوفين، يُلبسونهم الأفضل بقصد تهييئهم لرحلتهم إلى مثواهم الأخير. وبعد ذلك تجتمع العائلات والأحباء ويقضون الليلة كلها متبادلين الحديث. الذكريات المشتركة هي فقط الموضوعات المسموح الحديث عنها : لامجال للسؤال “لماذا”، و”إذا” و”لكن”.
مدينتي تتألم، إذن فأنا أتألم، على الرغم من أنني قضيت معظم مرحلة الرّشد في مكان آخر. عُدت إلى نيس تقريبًا في نفس هذا الوقت من السنة الماضية ولم أزر بروميناد ديزونغليه حيث وقعت المأساة، لكنني مشيت حول الحيّ القريب وأحببت جمال سوق الورد والمشهد من جهة التل.
ليس بإمكاني التفكير الآن إلا في الخراب الذي لحق في نفس الأماكن وجدتي التي تعتني حاليًا بالجرحى. أفكر في زميلي بالأصوات العالمية عبد الله الذي عاد إلى شقته دقائق معدودة قبل أن يخرج كل شيء عن السيطرة. وربما وحدها لوغورافي، النسخة الفرنسية من “ذا أُنيون” (موقع أخبار أمريكي ساخر) من نجح في التقاط كل هذه الأحاسيس كما ينبغي بنشر كلمة واحدة فقط على صفحتها الأولى: لا.
لطالما كانت الحركة الاجتماعية في نيس معقّدة بعض الشيء وعصيّة على الفهم. المدينة المعروفة عالميًا كوجهة سياحية على الريفيير الفرنسية، لم تكن المدينة يومًا صديقة للأجانب والأقليات. ولا نعلم كيف ستكون تداعيات هذا الهجوم، لكن نأمل في أن تسود الوحدة خلال عملية التعافي. أعي جيدًا أن الأعمال الإرهابية قد دمرت مناطق عديدة حول العالم، من بغداد إلى باتون روج (مدينة في ولاية لوزيانا الأمريكية). والعديد منّا يعرف هذه الأيام كيف هو الشعور بفقدان شخص/شيء غال لأسباب يستعصي إدراكها كلّها. لا نختلف كثيرًا في هذا الصدد.
ولكن من فضلكم، دعونا نفكر فقط في الحاضر. دعونا نحترم العائلات الحزينة والأصدقاء. وعند القيام بهذا، دعونا أيضًا نتذكر المآسي الأخرى التي حدثت من قبل. هكذا تبدأ عملية التعافي.
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «الهجوم الإرهابي في نيس مناسبة لاحترام الألم أينما كان». الأصوات العالمية. 22 يوليو - تموز 2016.
شارك الخبر:
|