العودة لـ«الفيدرالية» بعد 30عامًا.. هل ينهي أزمة الفصائل المسلحة بالسودان؟
لطالما طالبت القوى السياسية السلمية والمسلحة، بالعودة إلى النظام الفدرالي، خلال حكم الرئيس السابق عمر البشير، ليصدر مجلس السيادة السوداني مرسوما يحمل الرقم 6 لسنة 2021 بتطبيق نظام الأقاليم مجددا، بعد ثلاثة عقود من إلغائه في عام 1991.
وينص المرسوم الدستوري الذي أصدره رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، الخميس الماضي، على تطبيق نظام حكم الأقاليم الفيدرالي، عقب انعقاد مؤتمر نظام الحكم في السودان الذي يحدد الأقاليم وعددها وحدودها وهياكلها واختصاصاتها وسلطاتها ومستويات الحكم والإدارة، بما لا يتعارض مع اتفاق جوبا للسلام.
جاء قرار مجلس السيادة عقب مفاوضات مكثفة بين الحركات المسلحة والحكومة الانتقالية على مدى أكثر من عام، انتهت إلى قرار العودة إلى الفيدرالية، خصوصاً أن المطلب الرئيسي في المفاوضات كان العودة إلى نظام 8 أقاليم، وإلغاء نظام الولايات المعمول به حاليا، والاعتماد بشكل أساسي على سياسة متوازنة بين الجميع.
قرار غير مدروس
قال المحلل السياسي السوداني، الدكتور ربيع عبد العاطي، إن قرار مجلس السيادة السوداني بشأن العودة إلى نظام الأقاليم في البلاد بدلا من النظام الحالي المركزي المتمثل في الولايات، “هو قرار تم اتخاذه على عجل ولم تسبقه دراسات كافية”.
وأضاف لـ”سبوتنيك”: “إن نظام الولايات تأسس على أرضية وممارسة سياسية كان ينبغي البناء على الجوانب الإيجابية فيها وإزالة الأمور السلبية في تلك التجربة”.
وحذر المحلل السياسي من أن العودة لنظام الأقاليم “سيفرز تعقيدات اجتماعية واقتصادية ونزاعات، وسوف يزيد من تفاقم الأوضاع الحالية ويقضى على التماسك، وقد تنشأ بؤر توتر تهدد السلم والأمن القومي”.
عواقب خطيرة
وأشار عبد العاطي إلى أن مثل هذا القرار لا ينبغي أن يصدره فرد لأنه يتعلق بأمة ويحتاج إلى “تفويض شعبي”، لكن بتلك الحالة التي اتخذ بها هذا القرار “سيترتب عليه تبعات عالية الخطورة خلال المرحلة القادمة”.
ومضى موضحا: “كل الأمور المتعلقة بالدولة في الوقت الراهن تأثرت بالهشاشة وغياب المرجعية وعدم تجانس من يتخذون القرار، حيث تستهدف كل مجموعة ما يصب في مصلحتها، ولا نلحظ أي تناغم بين مكونات الحكم، والعشوائية تضرب بأطنابها، مما انعكس على مؤسسات الدولة ومزاج المواطن، وسيؤثر على مستقبل الأجيال، وفي ظل هذا الواقع المؤلم لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالمصير الذي تنساق إليه البلاد”.
أنسب طرق الحكم
من جانبه، اعتبر القيادي في جبهة المقاومة السودانية محمد صالح رزق الله أن قرار الرجوع إلى الحكم الفيدرالي الذي أصدره البرهان من حيث مفهومه للحكم “لا غبار عليه”، لأن السودان دولة كبيرة مترامية الأطراف ومن الخطأ بل والصعوبة إدارتها من المركز.
وشدد في حديث لـ”سبوتنيك” على أن الحكومة المركزية لن يكون باستطاعتها تلبية احتياجات الأقاليم المتعددة والمتنوعة، وأنسب طرق الحكم في مثل تلك الحالات هو الحكم اللامركزي أي الإقليمي”الفيدرالي”، و”هذا بالنسبة لأنظمة الحكم في الدول الديمقراطية”.
لكن رزق الله استدرك قائلا: “إذا رجعنا إلى من قاموا بإصدار هذا القرار في السودان وهو مجلس السيادة وحلفائه، نجد أنهم ما أرادوا بهذا الأمر إلا عملية تشويش لوعي الشعوب السودانية وإشغالهم بشعارات رنانة تدغدغ مشاعرهم، فنظام الأقاليم جيد ولكن من أعلنوا عنه أرادوا به باطل”.
وتابع موضحا: “ما يحتاجه السودان الآن، ليس حكما إقليما أو مركزيا أو فيدراليا، بل يحتاج إلى قيام سلطة أولا، لأنه لا توجد لدينا سلطة أو دولة حاليا وسابقا، وإنما لدينا مجموعة من العصابات في شكل مليشيات عسكرية، وبيوتات طائفية تتحكم في شؤون الرقعة الجغرافية التى يطلق عليها السودان، بتعاون مع لوبيات خارجية، لاستنزاف ونهب ثروات البلاد بدون قيد أوحساب منذ فترة ما سمى بالاستقلال في عام 1956″، على حد قوله.
غياب الدولة
وتابع رزق الله: “السودان اليوم فاقدا لما تسمى دولة أو سلطة لها سيادة عليه، فلا يمكن لمجموعة عصابات بناء سلطة أو دولة وحتى مدينة يسودها الاستقرار والأمان، فكيف يمكنهم النجاح في تطبيق حكم إقليمي فوقى بدون مستويات الحكم الأخرى والتي هى شرط أساسي لنجاح قيام أى سلطة أو دولة”.
واعتبر أن “السودان حاليا بلد فاقد للسيادة يدار من الخارج، حيث ترتع كل الجيوش و أجهزة أمنها في أرضه، ولا يأمن فيه المواطن على أمنه داخل بيته، ناهيك عن أمنه خارج البيت في العاصمة، أما ما تسمى الأقاليم فحدث ولا حرج، تعبث بها مليشيات الجنجويد وأجهزة الأمن التابعة للنظام الذى لم يسقط بعد وحلفائها من الإدارات الأهلية”.
الحوار المجتمعي
وأوضح رزق الله، أنه “كان يجب عمن يتحدثون عن الحكم الإقليمي أن يقومون أولا بإحقاق العدالة الانتقالية ومحاسبة القتلة ووقف نهب ثروات البلاد، حينها يمكن لبعض أبناء الشعوب السودانية أن يصدق أنهم جادين في إقامة سلطة أو دولة وبعدها يمكننا الحديث عن الحكم الفيدرالي أو الإقليمي”.
ولفت إلى أن “السودان يحتاج أولا إلى حوار مجتمعي بين كل أبنائه بالتساوي والندية ليتشاورا فيما بينهم كيف يمكن حكم هذه الأرض أولا، وعندما يصلوا إلى تفاهم مشترك يمكننا بعدها التحدث عن نوعية وآلية الحكم الذى يناسبنا، أما المشاريع العشوائية لا تجلب لنا إلا مزيد من التشرذم و التشتت و الحروب”.
والخميس الماضي، وكالة السودان للأنباء “سونا”، إن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، أصدر مرسوما بإنشاء نظام الحكم الفيدرالي في السودان.
ونص المرسوم الدستوري رقم 6 لسنة 2021 على تطبيق نظام حكم الفيدرالي، الذي يحدد الأقاليم وعددها وحدودها وهياكلها واختصاصاتها وسلطاتها ومستويات الحكم والإدارة، ما يتوافق مع اتفاق جوبا لسلام السودان 2020.
وأشارت الوكالة إلى أن المرسوم أُصدر بناءً على المرسومين الدستوريين 38 و39 لسنة 2019، وعملا بأحكام المادة 79 من الوثيقة الدستورية للفترة الإنتقالية.
وتم تمرير قانون الحكم الفيدرالي، الذي يقسم البلاد إلى 8 أقاليم عقب اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء. وسيلغي القانون نظام الولايات الـ18 المعمول به حالياً وذلك تنفيذا لاتفاق السلام.
ووقع السودان على اتفاق السلام في أكتوبر/تشرين الأول 2020 مع الجبهة الثورية التي تضم 5 حركات مسلحة و4 سياسية، في عاصمة جنوب السودان جوبا، والذي نص على تطبيق نظام الحكم الفيدرالي في البلاد.
ومنذ 21 أغسطس/ آب من العام 2019، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى “إعلان الحرية والتغيير”، قائدة الحراك الشعبي والجبهة الثورية التي تضم عدد من الحركات المسلحة بعد توقيعها اتفاق السلام مع الحكومة السودانية في جوبا.
مصادر
[عدل]|مسار = |المؤلف = |عنوان = العودة لـ«الفيدرالية» بعد 30عامًا.. هل ينهي أزمة الفصائل المسلحة بالسودان؟
|الناشر = |تاريخ= }}