هذا جزءٌ من تاريخ الحركات المناهضة للحرب في أمريكا اللاتينيّة

من ويكي الأخبار

الجمعة 11 مارس 2016


هذه المادة هي نسخةٌ عن النص الأصلي لرافائيل أوزغاتينغي عن مدونته” ضائعٌ في إيتاكا” التي نُشرت تحت عنوان الاعتراض الواعي واللاسلطوية في أمريكا اللاتينية كجزء من مساهمته في كتاب: الاستكناف الضميري: الدليل العملي للحركات العالمية المناهضة للحرب. يتم نشرها في الأصوات العالمية بموجب اتفاق.

البدايات:

كانت العديد من بلدان أميركا اللاتينية خلال حقبة الثمانينيات محكومة من قبل دكتاتوريات عسكريّة، أو عانت تداعيات الحرب الأهليّة في أراضيها. كانت فترة الحرب الباردة حين كانت الولايات المتحدة تعتبر هذه البلاد امتدادًا لنفوذها أو “ حديقتها الخلفيّة“. حين فوجئت ديمقراطيتها التقدميّة الصارخة، ولدى قطّاعات واسعة من الشباب، أنه قد نما شعور مناهضة النظم العسكرية والذي أخذ شكلاً سياسيًّا منظمًا.

على الرّغم من ذلك فإنّ مفهوم “مناهضة الحكم العسكريّ” لم يحظ بازدهار مستقل في أمريكا اللاتينيّة، بل نشأ وتبلور كنتاجٍ عن معتقداتٍ أخرى في تلك الحقبة، عندما كان أحدهم يشارك في اجتماعٍ حزبيّ ويعرّف عن نفسه كمناهضٍ للنظم العسكريّة كان يواجه أحد الاحتمالين: إمّا أن ينظروا إليه كشخصٍ قادمٍ من كوكبٍ آخر أو يعاملونه وفق نظريتهم المتحيزة التي تعتبر الشخص السلمي شخصٌ لا يؤمن بشيءٍ على الإطلاق، ولا يريد الالتزام بشيءٍ أو الدخول في مشاكل. لم يكن سهلاً على الإطلاق تعزيز وإحياء فكرة مناهضة العنف في منطقة ينظر فيها إلى الشخصيّة الشعبيّة لـ” تشي غيفارا” على أنّها النموذج الوحيد للنضال في سبيل التغير الاجتماعي، والذي كان آنذاك واحدًا من أهم قادة الثورة الكوبيّة.

بالنسبة لنا كانت الخدمة الإلزاميّة العامل الرئيسيّ في نبذنا للسلطات واللباس العسكري. في تجربتي الشخصيّة ومع بداية التسعينيات في باركيسيمنتو وهي مدينة تبعد خمس ساعاتٍ عن العاصمة الفنزويلية (كاراكاس)، كان علينا نحن المراهقين الاختباء مرتين في العام لمدّة خمسة عشر يومًا هربًا من الخدمة العسكريّة الإلزاميّة، والتي ندعوها في بلدي ريكولتا أو التجنيد، دون أيّ كلمة يدخلونك بالقوة في الشاحنة مع آخرين مذعورين مثلك، ومن هناك يتم إرسالك إلى المقرّ العسكريّ مباشرةً.

ردٌ منظم ضدّ التفكير العسكريّ:

تنظيم العدل والسّلام ( SERPAJ) الذي تأسس عام 1974 في كولومبيا، هو مفهومٌ ذو طابعٍ دينيٍّ. كان مسؤولاً عن إعادة إحياء العديد من القيم، كالمقاومة السّلميّة وثقافة السّلام والاستكناف الضميري أو الاعتراض الواعي (OC) كحقٍ كان بالإمكان ومن المفروض تحصيله من السّلطات. من خلال العديد من مكاتبها المتوزّعة في الإكوادور وكولومبيا وتشيلي والأرجنتين، كانت المحرّك لبدء حركاتٍ محليّة للاستكناف الضميري، ولكنّه كان أكثر نضوجًا في باراغواي حيث حقق نقلاتٍ نوعيّة. ففي عام 1992 استطاع دفع الدستور للاعتراف رسميًّا بالاستكناف الضميري في إحدى مواده. وفي العام التالي حظي أوائل المعلنين عن أنفسهم كمستنكفين باهتمام وسائل الإعلام، وبنشر مفهومهم على نطاق واسع.

وفي عام 1994 كان الإعلان عن أول قمّة أمريكيّة لاتينيّة لتنظيم الاستكناف الضميري (OC) ، حيث يُحتفل بذكرى إنشاء الشبكة الخاصة به في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي (ROLC)، والتي استطاعت قبل انتشار الإنترنت تنسيق الفعاليات في مختلف البلدان وطبع جريدة (المستنكفين). وبعد ذلك ومع انضمام العديد من المجموعات للشبكة، عملوا على توسيع مواضيع وأهداف التنظيم ليشمل انتقاد النظم العسكريّة، ولذلك غدت هذه الشبكة المنظِمة المعتمدة لتنظيم الاستنكاف الضميري في أمريكا اللاتينيّة (CLAOC) والذي استمر حتى عام 2004. وهنالك أسبابٌ عديدةٌ لهذا التراجع أو التوقف أوّلها أنّ العديد من البلدان قد استطاعت تدريجيًّا منع قانون التجنيد الإجباري (الذي يعدّ السبب الرئيسي الذي ناضل الناشطون من أجله)، والتصديق عليه من خلال قوانين عدّة. أمّا السبب الآخر يعود إلى أنّ الحكم الذاتي الذي تطلّع لإقامته هذا التنظيم الأمريكي اللاتيني بشأن (المنظمات غير الحكوميّة) نتج عنه تناقص في عناصر الإنتاج الإقتصادي اللازم للقيام بالحملات الدعائية وتنظيم المؤتمرات.

حاول التنظيم الدولي المناهض للحرب منذ عام 2005 وبنجاح متواصل، تعزيز شبكة المناهضة ضد النظم العسكرية في أمريكا اللاتينيّة، عن طريق تحفيز اللقاءات والتصريحات الجماعيّة والتدريب في مجال الأعمال المباشرة والسلميّة.

اللادينيين و مناهضي الامبريالية واللاسلطويين، المفاهيم الثلاثة الكبرى لحركة الاستنكاف الضميري في أمريكا اللاتينيّة:

يمثل المفهوم الأوّل أي اللادينيين، حركة العدل والمساواة (Serpaj) ومنظمات غير حكوميّة أخرى لحقوق الإنسان (ONGs)، إلى جانب مجموعة المبادئ “لاهوت التحرير”، والتي مَثل بالنسبة لتنظم الاستنكاف الضميري التزامًا أخلاقيًّا مستمدًا من وصيّة الكتاب المقدس “لا تقتل”. أمّا مفهوم مناهضة الامبرياليّة فقد كان يتكون من مجموعاتٍ قريبة من الماركسيّة والتي استنكرت عمليًّا الخدمة العسكريّة الإجباريّة، ولكنها بنفس الوقت كانت تدعم فكرة إنشاء جيش “شعبيّ وطنيّ” كمنظمات التحرير الوطنية التي كان أبطالها من العصابات المسلحة. وكان نشاط تلك الجماعات بشكل عام يتمثّل في التبليغ عن تواجد قواعد عسكريّة أمريكيّة، أو مدارس أمريكيّة وهي مكان داخل الأراضي الولايات المتحدة حيث يتم تدريب وتأهيل قياديين من الجيش المسمى سوداكاس (وهو لقبٌ غير محبب يُطلق على السكان الأصليين لأمريكا الجنوبيّة).

ويأتي مفهوم اللاسلطويّين في المقام الثالث، بأعداد قليلةٍ لكن بتحليلٍ متكاملٍ عن نتائج النظام العسكري، وقد رفض هؤلاء اقتراحًا لخدمةٍ عسكريّة بديلةٍ في البلاد، لكنّهم قبلوا أن يكونوا جزءًا من الإاقلابات المحليّة التي تصدّت لبعض المفاهيم الخاصّة التي فرضها النظام العسكري في الحياة اليوميّة للناس. وكجزءٍ من تجمّع اللاسلطويين نجد “البانك” والذي ساعدت فرقه ومعجبيه على انتشار الحركة. وفي المفاهيم الثلاثة نجد أن المرأة كانت عنصرًا أقليًّا، وكان موقفها من الانتقادات الموجهة للجيش في مرحلة بدائية، كان القصور يكمن في أنّ النساء وعلى الرغم من الفرصة السانحة لهن والدافع الناتج عن انفصالهن عن أبنائهن بسبب الخدمة العسكرية، القليل منهنّ، الأمهات أو الجدّات ساهمنّ في البدايات.

معاركٌ وأزماتٌ وتوترات بين مناهضي الامبرياليّة واللاسلطويين:

إحدى الموضوعات الإشكاليّة كانت النظام الكوبي، الذي شكل العائق الأساسيّ لإمكانية توجيه النقد، فقد كان وسيلةً لدعم العصابات المسلّحة كالقوّات المسلحة الثورية الكولومبيّة (الفارك)، و سينديزو لومينوسو أو الجبهة الساندينيّة للتحرير الوطني، وكذلك علاقاته مع الأحزاب السياسية اليسارية. في عام 1994 ومع ظهور الجيش الساباتيّ المكسيكيّ للتحرير الوطني، طُرح النقاش حول ثنائيّة اللاعنف/ المقاومة المسلحة. رفض اللاسلطويون النظريّة القائلة بأن النظام العسكري الوحيد “السيئ” متمثل بالولايات المتحدة ، بمقابل آخر”جيد” يمثله النظام العسكري لليسار، بل أكدوا على أن الجيش بطبيعته كان مزيجًا من القيم السلبيّة التي رفضت (إطاعة السلطات، التشدّد، إرهاب الأجانب، التعصب الذكوري، رهاب المثليين، الاختفاء القسري، إلخ..). ولهذا السبب تحول هوغو تشافيز وبعد ترشحه كضابطٍ يمثل اليسار السياسي، لانتخابات الرئاسة في فنزويلا عام 1999 إلى مرجعية لمناهضي الإمبريالية في أمريكا اللاتينية. تأزمت العلاقات بين المجموعتين بشكل أكبر، ومن جهة أخرى شكك قطاع من اللاسلطويين اللاتينيين المناهض للحكم العسكري في الهوية السلمية لحركة استنكاف الضمير ويؤكد على “العنف التلقائي” و”الحرب الاجتماعية ” التي تمثله ” ما تسمى بـ”الحركات الإنقلابية”.

مصادر[عدل]