ما الذي يحرك التهم بالكفر والردة في الشرق الأوسط؟ ليس الدين وحده
الجمعة 16 يناير 2015
في الرابع والعشرين من ديسمبر / كانون الأول2014، حُكم على المدوّن الموريتاني محمد شيخ ولد محمد بالموت رميًا بالرصاص، على خلفية مقال نشره قبل أكثر من سنة. كان ذلك أول حكم بالإعدام في قضية ردّة في موريتانيا منذ استقلالها عام 1960.
في المقال المعنون “ الدين والتدين ولمعلمين“، انتقد شيخ نظام الطوائف الطبقي في بلاده، مشبّهًا إياه بما رآه ممارسات مماثلة في عهد الرسول محمد. على إثر ذلك، اتهم شيخ بإهانة الرسول.
“[قضية شيخ] هي مجرد محاولة لكتم صوت كل من يحاول التشكيك في نظام قائم على القمع باستخدام الدين”، يقول سيدو واني، الناشط الموريتاني ضد العنصرية والعبودية، في تغريدة له على تويتر.
محمد شيخ، ذو الثمانية وعشرين عامًا، ضحية جديدة لحكومة قمعية في بلد ذي غالبية مسلمة، كثيرًا ما يستخدم “الردة” و”الكفر” كذرائع لملاحقة من يدعون للإصلاح ويرفعون صوتهم ضد مشاكل سياسية. بحكمها على محمد شيخ بالإعدام، تدعي السلطات الموريتانية أنها تحمي الإسلام والرسول، لكن العقوبة في الغالب لن تحمي سوى النظام الحاكم أمام المزيد من الانتقادات السياسية.
معلقًا على قضية شيخ، كتب الصحفي برايان ويتيكر، صاحب كتاب “ عرب بلا رب“، أن الدين قد أصبح “سلاحًا سياسيًا” في موريتانيا:
«النص الأصلي:The strange thing about laws against apostasy and blasphemy is that most of the people who fall foul of them are neither apostates nor intentional blasphemers. In practice these laws have very little to do with theology and are mostly used as a pretext for settling political scores or pursuing personal grudges.»
«ترجمة:الغريب في القوانين التي تحارب الردة والكفر هو أن معظم من يقعون ضحيتها ليسوا مرتدين ولا كافرين متعمدين. عمليًا، لا علاقة لهذه القوانين بالدين، فهي تستخدم كأداة لتصفية حسابات سياسية وضغائن شخصية.»
استخدام الدين كأداة “لتصفية حسابات سياسية”
يشير ويتيكر بالفعل إلى ظاهرة أوسع انتشارًا في العالم العربي. كل من السعودية وتونس، اللتين تختلفان عن بعضهما بشدة سياسيًا وثقافيًا، شهدتا قضايا مماثلة في السنوات الأخيرة. في نظام حكم ديني كالموجود في السعودية، فإن الخط الفاصل بين الديني والسياسي ليس واضحًا. نتيجة لذلك، فإن مَن يسائل الوضع القائم أو ينتقد السلطات قد يواجه اتهامات خطيرة على أسس دينية، لا سياسية.
كيف يمكن لنظام ما أن يتخلص من خصومه ومنتقديه في بلدان يلعب فيها الدين دورًا رئيسًا في حياة الأغلبية؟ إحدى الطرق لذلك هي زجّهم في السجون واتهامهم بالإساءة إلى الإسلام والرسول. بذلك، لن يهبّ لنجدتهم أحد، تقريبًا.
خلال الربيع الماضي، حكمت السعودية على المدوّن رائف بدوي بألف جلدة والسجن عشرة سنوات بتهمة “الإساءة للإسلام” بعد تأسيسه الشبكة الليبرالية، وهي موقع يحوي مواد نقدية تجاه الشخصيات الدينية العليا والشرطة الدينية في البلاد. لا تركز الشبكة على الإسلام بحد ذاته بقدر ما تركز على شخصيات وأجسام سياسية ودينية بعينها وعلى ممارساتهم. لكن رغم ذلك، أدين رائف بدوي بتهمة “الإساءة للإسلام”.
سعاد الشمري، الناشطة السعودية لحقوق المرأة، نشرت تغريدات تنتقد فيها نظام الوصاية الذكورية في بلدها، والتي تلزم النساء بالحصول على موافقة من محرم لممارسة أوجه عديدة من حياتهن، كالسفر والعمل والزواج. اليوم، تواجه الشمري تهمًا بالسخرية من نصوص دينية وعلماء دين. في تونس، التي تخلو قوانينها من أي تجريم للردة أو الكفر، حكم على جبور مجري وغازي باجي عام 2012 بالسجن سبعة أعوام ونصف بسبب نشر كاريكاتيرات للرسول على الإنترنت.
الجدير بالذكر هنا هو أن مجري وباجي كانا مستخدمين عاديين للإنترنت، لا ناشطين سياسيين. استطاع باجي تجنب العقوبة إذ هرب من البلاد قبل اعتقاله، لكن مجري أمضى في السجن ما يزيد عن سنتين، قبل أن يطلق سراحه العام الماضي بعفو من الرئيس السابق، منصف المرزوقي. راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس، قال في حزيران 2013 أن “الكفر ليس جريمة. حرية الاختيار واضحة جدًا في القرآن الذي جاء فيه أن لا إكراه في الدين”. لكن الغنوشي صرح بذلك في واشنطن وليس في تونس. لماذا لم يقل الغنوشي أن “الكفر ليس جريمة” حين زُجّ بمجري في السجن أو حين اقترحت حركته قانونًا جديدًا لتجريم “الإساءة للمقدسات”؟ إلى جانب من يسمون أنفسهم علمانيي ويساريي تونس، لم يفتح الغنوشي فمه دعمًا لإطلاق سراح مجري، خوفًا من ردة فعل عنيفة من المحافظين، ولئلا يستفز ناخبيه المحتملين.
ماذا يقول القرآن حول الكفر؟
يبدو أن هذه الحكومات تتجاهل كذلك أن الإسلام رغم تنفيره من الكفر، إلا أنه يتسامح معه. في الواقع، لا ينص القرآن على أي عقاب عليه. الرسول ومتبعوه الأوائل واجهوا الاضطهاد والإساءة من معاصريهم، بما في ذلك الإهانات والسخرية والتشهير. لكن القرآن أمرهم بالصبر وبتجاهل الحوارات الكفرية، بدلًا من إدانتها.
«النص الأصلي:“وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ”. 186، آل عمران.
“وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”. 68، الأنعام.»
الأمر ذاته ينطبق على الردة. فالقرآن لا ينص على أي عقاب دنيوي لأولئك الذين يقررون تغيير دينهم من الإسلام إلى أي دين آخر، أو التخلي عن أي دين بالمطلق، جاء فيه أن “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” و”وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ”.
من الواضح أن القرآن لا يضع للردة والكفر عقوبات كالإعدام والجلد، لكن حكومات بلدان كموريتانيا والسعودية وإيران تستمر في الحكم بعكس ذلك. فالسبب على ما يبدو متأصل في السياسة أكثر من الدين.
“يتصرف الحكام العرب وكأنّ الإسلام في خطر لأن مطرقة النقد طالته. ربما هم خائفون على عروشهم من الانهيار”، تقول المدونة التونسية خولة الفرشيشي في تدوينة لها. “[إنهم] يعرفون جيّدًا أن نقد المؤسسة الدينية وأفكارها هو أول نقرة فأس لزعزعة بنيانهم”.
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «ما الذي يحرك التهم بالكفر والردة في الشرق الأوسط؟ ليس الدين وحده». الأصوات العالمية. 16 يناير - كانون الثاني 2015.
شارك الخبر:
|