عنف الحياة وما بعدها في أحياء فنزويلا الشعبية
الأحد 29 نوفمبر 2015
في عشوائيات فنزويلا يعتبر المجرمون أو المالاندروس مرادفًا للقوة لدى البعض وللفساد لدى البعض الآخر، وكما يحيى المجرمون خارجين على قيم المجتمع مستخدمين لغتهم الخاصة المحدّدة لهويتهم يموتون بالطريقة نفسها بحيث تبدو جنائزهم كطقوس للعبور برموز مشتركة بينهم.
يظهرون احترامهم للميت منهم بالسير في صفوف مزدوجة على موسيقى جيدة الإيقاع، والبكاء، والخمر، والأعيرة النارية في الهواء. يتم مشاركة بعض هذه الجنازات على شبكات التواصل الاجتماعي وعادةً ما تعرض مشهد خروج موكب الجنازة من الحيّ وفي بعض الأحيان تتبع طريقها إلى المقبرة.
كيف يمكن للعنف الحضري اختراق طقوس العبور هذه؟ في فنزويلا هناك العديد من الطرق لفعل ذلك سيتناولها هذا المقال كصور ومماراسات خاصة بثقافات فرعية لا يمكن فصلها عن حصيلة القتلى الأسبوعية في البلاد.
من الممكن كذلك فهم امتداد العنف الحضري من خلال إحصائيات المرصد الفينزويلي للعنف الذي كشف تقريره عن نتائج مفزعة حول زيادة جرائم القتل في البلاد. تلك الزيادة في معدلات الموت نتيجة لجرائم العنف تشكّل جزءًا من التاريخ الحديث للبلاد التي شهدت ارتفاعًا لا يمكن السيطرة عليه في أعداد القتلى منذ حقبة الثمانينيات. نسبة هامة من جرائم العنف هذه تحدث في الأحياء الأقلّ امتيازًا؛ حيث المناطق التي تعدّ نقطة الانطلاق لهذه الطقوس.
يرى المتخصّصون في موضوع العنف الحضري أن المالاندرو الفينزويلي قد تطوّر في العقود الأخيرة. هؤلاء “المجرمين الجدد” لهم سمات تميّزهم عن أسلافهم، فهُم على سبيل المثال يبدأون بارتكاب جرائم العنف قبل سن المراهقة ويبدون كآلات تتغذى على الهيبة المكتسبة من كلّ فعل وحشيّ.
يوازن المالاندروس بين نموذجيّ البطل والشرير في أذهان الناس وبوسعهم أن يتحوّلوا إلى شخصيات تحظى بالاحترام الأكبر من مجتمعهم بفضل قوّتهم المستمدة من الأسلحة والعنف.
طقوس تعكس الواقع:
في هذا المقطع المتاح على حساب أصوات الموت على موقع يوتيوب يمكنك أن ترى طقس الاجتماع لتوديع الميت المتكرّر في كل جنازة. يحيط بالمتوفى أعداد هائلة من الدراجات النارية في أجواء تمزج بين ألم الأقارب وتفريغ طلقات الرصاص. يرفع بعض الحاضرين أسلحتهم في وسط هذا الحشد وينفذّون نوعًا من الروتين تُطلَق فيه الأعيرة النارية من واحد تلو الآخر لمرات عديدة.
(تحذير: تحتوي المقاطع على مشاهد عنيفة)
Tiros, drogas y lágrimas... último adiós على يوتيوب
في الطريق إلى المقبرة تغلق الدراجات النارية الطرق بينما تؤدي استعراضًا من الانعطافات الخطرة، وتسرق المارّة بشكل متكرّر. في مقطع آخر على حساب سامويل جاكسون سترى كيف أن ألم الفقدان تصاحبه أجواء من الاحتفال؛ فيشرب الحاضرون الخمر ويرشّون الميت به بينما يرقد في نعشه، تسمع الموسيقى المرتفعة بينما يرتجل البعض الرقصات. يتمّ هذا التجمّع عادةً في حيّ الفقيد، ومن هناك يُحمَل النعش إلى المقبرة بعد التأكّد من أن الأكتاف التي تحمله هي لرجال من أصدقاء وأقارب الميت.
تقليد جديد؟
هذه الطريقة في توديع المالاندروس في أحياء فنزويلا ليست مستحدثة وليست كذلك خاصّة حصريًا بهذا البلد، وقدّ أظهر من دون شك نشر هذه المقاطع على شبكات التواصل الاجتماعي الحقيقة حول كمّ الأسلحة الخارج عن السيطرة المتواجد في الشوارع. في هذا المقطع نشاهد جنازة لشخص يعتقد أنّه بران (الوصف الذي يُشار به إلى رأس العصابة الأصغر في فنزويلا)
يتكرّر الطقس نفسه في المقطع؛ الدراجات الناريّة والخمر والموسيقى، إلا أنّ إطلاق الأعيرة النارية هنا بالطبع أكثر استعراضًا للبطولة:
Malandros armados hasta los dientes VELORIO DE UN PRAN! Valles del Tuy على يوتيوب
ليست كل الجنازات لأشخاص مجهولين. في بعض المقاطع يتمّ التصريح باسم أو لقب الميت في العنوان كطريقة لإظهار الاحترام يقدّرها الكثيرون. بعضهم حتى معروف إلى حد كبير في أوساط أخرى كما هي الحال في جنازة السجين السابق لويديج أوتشووا، صاحب سلسلة الحلقات الشهيرة التي تتحدث عن أحوال المعيشة في سجون فنزويلا و حياة السجناء بعد إطلاق صراحهم.
تمّ تداول لحظات جنازته على حسابات مختلفة على يوتيوب، وقام بعض المعجبين حتى بإعداد مقاطع تحوي صورًا لعرض تسلسل حياته لتكريمه. كذلك على تويتر وإنستاجرام انتشرت رسائل التعبير عن الألم لخسارته والتضامن مع شريكته التي هي أيضًا ممثلة تلفزيون شهيرة:
رؤى من الخارج:
يجد جزء كبير من سكان العاصمة صعوبة في إدراك ما يحدث خلال هذه الجنازات، بل إنها ترعبهم. يولّد الاستخدام الخارج عن السيطرة للأسلحة، بجانب الرفض، توّترًا كبيرًا بين المواطنين. عادةً ما يتمّ التحذير على موقع تويتر عندما تعرقل جنازة أحد المجرمين طريقًا سريعًا لتجنيب المارّين خطر الاحتجاز على الطريق مع مرور الجنازة.
اقتباس فارغ!
«ترجمة:جنازة لمالاندرو على طريق بوليفارد كافيتال. يغلقون الطريق. خطر كبير.»
اقتباس فارغ!
«ترجمة:وفقًا لإطلاق النار العنيف المستمر منذ الفجر في وسط كاراكاس، هناك جنازة لمالاندرو.»
التضامن والعرفان الواضح في هذه المقاطع هما بمثابة إشارات ليس فقط لخطر مشكلة العصابات المسلّحة، وإنما كذلك لشبكات المتأثّرين والمعجبين المنسوجة حول هؤلاء المجرمين. ذلك الجزء من سكان فنزويلا المهمّش والمستبعَد لعقود وجد في العنف الطريق الوحيد لنيل الرضا الاجتماعي والإحساس بالحماية التي وحدها المجتمعات قادرة على منحه. النظر إلى هؤلاء الأشخاص كأبطال أو قدوة حتى من وجهة نظر رومانسية هو بلا شك أمر مخيف بالنسبة للكثيرين.
تتصلّ الأسئلة التي تطرحها هذه الظواهر بالنموذج الاجتماعي المثالي وبالشخصيات التي تسيطر على الخيال الجَمعي. من هم إذن النماذج التي يتطلع إليها شباب يجد في الأسلحة والعنف طريقًا للخروج؟ وفي الوقت نفسه، كيف تقترن هذه النماذج ببقيّة ما ينتظر المجتمع الفنزويلي؟
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «عنف الحياة وما بعدها في أحياء فنزويلا الشعبية». الأصوات العالمية. 29 نوفمبر - تشرين الثاني 2015.
شارك الخبر:
|