هل الدول مطالبة قانونيًا بحماية مواطنيها من تغير المناخ؟
الثالث 1 سبتمبر 2015
نُشر هذه المقال بالأصل من قبل Sophia V.Schweitzer في مجلة Ensia.com التي تسلط الضوء على الحلول البيئية الدولية الحالية، وأعيد نشره كجزء من اتفاق لتبادل المحتوى.
في 24 حزيران/يونيو 2015، أمرت محكمة في لاهاي الحكومة الهولندية بالتصرف سريعاً للقيام بواجبها في حماية مواطنيها من آثار تغير المناخ. هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التصريح عن واجب مُلزم للدولة بغض النظرعن جدال أن مشكلة تغير المناخ العالمي لا يعتمد على جهود دولة واحدة فقط. استند هذا القرار على مختلف فروع القانون بما فيه حقوق الإنسان. في الواقع، يجعل هذا القرار الحكومة الهولندية مسؤولة عن انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري على أراضيها وقد تحتاج الدول الأخرى للانتباه نتيجة لذلك.
قالت المحكمة أنه على الحكومة ضمان خفض انبعاث الغازات في هولندا عام 2020 بنسبة 25% مما كانت عليه عام 1990. وهي النسبة التي تحتاجها الدول الصناعية حتى لاترتفع درجة الحرارة في العالم 2 درجة مئوية (3.6 درجة فهرنهايت) لتجنب النتائج السيئة الناتجة عن تغير المناخ وذلك حسب تقرير التقييم الخامس للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ. خطط قادة هولندا السياسيون لخفض الانبعاثات بنسبة 17% في غضون السنوات الخمس القادمة.
“جعلت قضيتنا السياسيون يعرفون بأنهم لن يسمحوا لتغيرات المناخ أن تحدث وأن عليهم واجب التصرف قانونيًا أو أخلاقيًا” هذا ما قاله المستشار القانوني Dennis van Berkel لمؤسسة Urgenda التي يدعمها قرابة 900 مدٍّع مشارك هم الذين بدأوا القضية.
لدى الهولنديون – والذين تقع دولتهم تحت مستوى البحر إلى حد كبير لكنهم يعيشون في دولة تملك المصادر اللازمة للتكيف – السبب في القلق حول تغير المناخ. أما السكان في الدول الأكثر فقراً، والذين يساهمون بنسبة أقل في تغير المناخ، فهم أيضاً أقل استعدادًا للاستجابة ومن المرجح أنهم سيعانون أكثر من غيرهم. يعتبر النصر الهولندي مهمًا لهم كما قال فان بركل “إن حقوق المدّعين المشاركين أمرأساسي ومركزي بالنسبة لنا، لكن يمكن للأشخاص خارج هولندا أن يتأثروا بتغير المناخ بشكل أقسى”. ويضيف “سيشجع الحكم الآخرين لتقديم دعوى لحقوق الإنسان عند تهديدات تغير المناخ”، وهذا سيجعلنا نطرح السؤال الكبير: هل سيكون حكم المحكمة الهولندية بمثابة درس لبقية العالم.
من حقوق الإنسان إلى السياسة
في عام 2008، كتب المجلس العالمي لسياسة حقوق الإنسان في جنيف/سويسرا في تقرير بشان تغير المناخ وحقوق الإنسان: “قانونيًا، يجب النظر إلى حقوق الإنسان للأفراد كواجب مُلزم للدولة”. لكن العالم ما زال يصارع الاتفاقيات الدولية لمثل هذه الالتزامات، فمن إتفاقية كيوتو لعام 1997 إلى المؤتمر المتكرر لأطراف الهيئة الإدارية للاتفاقيات الدولية (COP) في إطار لقاءات اتفاقية الأمم المتحدة المبدئية بشأن التغير المناخي، فإن أفضل ما تم هو كسب الأنظار فقط وذلك بسبب الاجراءات السياسية التي لم تواكب الوعود التي قُطعت.
لمعرفة وإدراك هذه الفجوة، حاول المواطنون حث القادة السياسيين للتصرف، لكن وقبل قضية مؤسسة Urgenda (لفظ مركب لجدول أعمال عاجل) لم يكن هناك انتصارات. على سبيل المثال، في عام 2005 قدّم مجلس شعب الانويت القطبي عريضة إلى لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان ومقرها واشنطن العاصمة مدعيًا فيها أن الاحتباس الحراري الناتج عن انبعاث غازات الدفيئة من الولايات المتحدة الأمريكية قد انتهكت حق شعب الانويت في الحفاظ على طرق الحياة التقليدية بسبب تدمير البئية في القطب الشمالي. لكن اللجنة رفضت الشكوى بسبب عدم وجود أدلة كافية.
يقول فيم فيرمانس، الأستاذ الجامعي للقانون الدستوري في جامعة Leiden في هولندا “الالتزامات واضحة”، ويضيف “لكن عندما لا يتم الاحتفاظ بها، هل يمكن للمواطنين عندئذٍ تقديم دعوى بأن الدولة لا تتصرف إزاء ما يعرضهم للخطر؟ هذا هو التحدي…من الصعب إثبات الخسائر المباشرة في الدعاوى المدنية.”
قدّمت قرية Kivalina في ألاسكا دعوى قضائية ضد عدة شركات كبرى للطاقة في عام 2008 مدعيةً أن ظاهرة الاحتباس الحراري قلصت مساحات الجليد البحري مما أجبرها على الانتقال. تم رفض القضية استنادًا على قرار قضائي بأن القرارات بشأن المستويات المسموح بها من انبعاث غازات الدفيئة يجب أن تُدلي بها الفروع التنفيذية والتشريعية وليس عن طريق المحاكم.
يقول مايكل غيهارد مدير مركز Sabin لقانون تغير المناخ في كلية الحقوق في جامعة كولومبيا “المشكلة الحقيقة هي من لديه السلطة” ويضيف “مَنْ مهمته تحديد سياسة المناخ؟ هذا ما قاله في الأساس جميع القضاة وليس أنا، قبل قضية Urgenda لم تكن أية محكمة قد اتخذت حقاً هذا الدور.”
مع ذلك، لم تكن المحاكم تعارض بالكامل تحمل المسؤولية. ففي عامي 2006-2007 قاضت ولاية Massachusetts وكالة حماية البيئة الأمريكية التي رفضت تنظيم ثاني أكسيد الكربون كملوث بموجب قانون الهواء النظيف الإتحادي لعام 1970. زعمت الوكالة بأن أية محاولة لضبط وتنظيم انبعاث الغازات الدفيئة يمكنه أن يعرقل استراتيجيات البيت الأبيض المحتملة. لم توافق المحكمة العليا في حين كانت النتيجة هامة. يُفسّر غيهارد قائلاً “لم تحدد المحكمة السياسة وكانت تقول فقط أنها مهمة وكالة حماية البيئة.”
وفي الوقت نفسه، لدى المحاكم في مختلف الدول آراء متفاوتة حول كيفية أداء عملها على نطاق واسع. تختار المحاكم أحيانًا التدخل نيابة عن الشعب فيما يتعلق بالسياسة البيئية. على سبيل المثال، في عام 2001، أصدرت المحكمة العليا الهندية مرسومًا يقضي بأنه على جميع الحافلات في دلهي أن تتحول إلى استخدام الغاز الطبيعي بدلًا من وقود الديزل مما كان له الأثر العميق على نوعية الهواء. لقد كان حكماً هاماً لكنه لم يصل إلى تغيير المناخ.
وسط هذا الطريق المسدود بين الحكومات التي تتجنب تحمل المسؤولية والمحاكم التي تفضل عدم التدخل، والأكاديميين والمحاميين في جميع أنحاء العالم وكذلك بعض أعضاء السلطة القضائية التي شعرت بعدم الارتياح المتزايد. جاءت أخيرًا مجموعة منهم لتحديد ما إذا كان التغير المناخي هو قضية واقعية بموجب القانون الحالي وعلى وجه الخصوص القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان والقانون البيئي القومي وقانون المسؤولية. واستنتجوا إلى أن الجواب هو نعم. يقول غيهارد “هناك مبادىء أساسية لحقوق الإنسان وحماية البيئة مُهددّة بسبب تغير المناخ.” ويضيف “وجهة نظرنا هي يجب على القانون أن يكون قادراً على مواجهة هذا التهديد العظيم.”
أدّت مناقشات المجموعة التي استغرقت عدة سنوات إلى إطلاق مبادىء أوسلو حول التزامات تغير المناخ العالمي في الأول من آذار/مارس 2015. سعت هذه المبادىء إلى تحديد نطاق الالتزامات القانونية ذات الصلة بتغير المناخ إعتماداً على القانون المحلي ونتائج البحث الأولية التي وجدتها اللجنة الدولية للتغيرات المناخية بأن لا يتعدى الاحترار في العالم عن 2 درجة مئوية (3.6 فهرنهايت) وما أًعدّ من قبل الخبراء الأعضاء من المحاكم القومية والعالمية والجامعات والمؤسسات في كل منطة من مناطق العالم. يقول غيهارد المؤلف المشارك لهذه المبادىء “نحن نعلّم القضاة حاليًا في جميع أنحاء العالم بوجود هذه المبادىء” ويضيف “أملنا هو أن يستخدم القضاة في مختلف الدول إطار المبادىء وأن يُستشهد بها من قبل المحاكم.”
بدأت قضية Urgenda قبل ظهور المبادىء المستوحاة من كتاب بعنوان “الثورة المُبرّرة” للكاتب روجر كوكس أحد المحامين الذين يمثلون قضية Urgenda والتي تنظر إلى كيف يمكن للمحاكم أن تلعب دوراً في حل قضايا الطاقة. لكن مع تقدم الدعوى التي يعتمد جزء منها على مبادىء أوسلو والجمع بين مختلف فروع القانون وعلوم اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC). وفقاً لغيهارد فإنّ حكم Urgenda كان “أول قرار من قبل أية محكمة في العالم تأمر الدول بالحد من انبعاث غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري لأسباب غير تنفيذ القانون التشريعي”.
تعاظم الزخم
وفي الوقت نفسه، بقيت الاكتشافات العلمية الحديثة تتقدم. ذكرت مجلة الطبيعة في شباط/فبراير بأن انبعاثات الكربون من التربة المتجمدة ستزيد من تسارع تغير المناخ. لم تكن هذه المعلومات محسوبة في تقارير اللجنة الدولية للتغيرات المناخية. فمع كل اكتشاف يصبح هدف 2 درجة مئوية (3.6 فهرنهايت) هو أمر أكثر صعوبة. يقول كيفين شيفر وهوعالم في مركز بيانات الجليد والثلج في جامعة كولورادو والذي ساهم في ورقة الطبيعة “أضافت اكتشافاتنا ضغطاً آخر للتصرف والعمل” ويضيف ” هناك شعوٌر بالإصرار، فردود الفعل لانبعاث الكربون هي عملية لا رجعة فيها، هي نقطة تحول حقيقية”.
يمكن أن يُقدم حكم Urgenda طريقة مختلفة إلى الأمام لأنه يضع سابقة قانونية بقوله أن تخفيضات ملموسة لا يمكنها الانتظار. في حين أن الحكم غير ملزم لأية دولة أخرى، فإنه يضع مثالًا ويُشّكل قرارًا فريدًا للعالم. يقول غيهارد “نأمل بوجود زخم كافٍ يُمكّن العديد من الدول بالشعور بالالتزام.”
في طريق الالتزام
يُقدم هذا قطعة جديدة للغز حيث تحركت الدول للأمام نحو عقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (الجلسة السنوية 21 لجميع الأطراف COP21) في باريس/فرنسا في تشرين الثاني/نوفمبر القادم. قطعة كان على الأرجح التعامل معها قبل ذلك حيث تجرأ المحامون على رفع قضايا مماثلة في جميع أنحاء العالم. يقول فان بركل “لا أحد يتوقع بأن تكون الالتزامات التي سيتبناها مؤتمر باريس كافية لتجنب التغير المناخي الخطير.” ويضيف “لكن بعد المؤتمر سيكون الأمر حاسمًا ومحرجًا حيث ستبقى الدول ملتزمة بما هو مطلوب منها، سيكون للاجراءات القانونية المماثلة لقضيتنا دورًا فعالًا في هذا الإتجاه.” لم يتم بعد إدراج أية فعاليات لمؤتمر باريس لمناقشة مبادىء أوسلو، لكن ستنظم مؤسسة Urgenda مسيرةً من أوترخت/هولندا إلى باريس/فرنسا اعتباراً من الأول من تشرين الثاني/نوفمبر لجذب الانتباه إلى الإجراءات والتصرفات الواجب اتخاذها لمكافحة تغير المناخ.
تجري حاليًا دعوى قضائية لمواطن في بلجيكا مماثلة لقضية Urgenda، ومن المتوقع أن تكون هناك قضية أخرى في النرويج. يجوز أن يستأنف القرار بشأن قضية Urgenda ويمكن أن تكون هناك قضايا مستقبلية يكتب لها النجاح أو عدمه. ففي كلتا الحالتين ستلعب كل منهما دوراً في تغيير روح العصر نحو الشعور بتلازم تغير المناخ وحقوق الإنسان. من بين الإجراءات الأخرى، قادت إلى حملة الجامعات وغيرها من الكيانات للتخلص من الوقود الأحفوري كما يقول Bill Mckbben مؤسـس الموقع الإلكتروني org.350 حملة المناخ العالمي. ” سيقودون للبيت وباستمرار، هذه هي رسالة Desmond Tutu: تغير المناخ هو أزمة حقوق الإنسان في عصرنا.”
إستناداً إلى مجلة the Island of Hawai'i (جزيرة هاواي)، فإن Sophia V.Schweitzer هي كاتبة علوم مستقلة تركزُ على البيئة وتغير المناخ. ظهرت أعمالها في عدد كبير من المنشورات الورقية والإلكترونية بما فيها Pacific Standard و Wired.com و American Forests و Buddhadharma. هي ايضاً مؤلفة كتاب رحلة الجزيرة الكبيرة “Big Island Journey” وعدة كتب أخرى.
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «هل الدول مطالبة قانونيًا بحماية مواطنيها من تغير المناخ؟». الأصوات العالمية. 1 سبتمبر - أيلول 2015.
شارك الخبر:
|