لا مكان للفن في اليمن
الثالث 25 أبريل 2017
التعليم والأنشطة الفنية والرياضية عملية تربوية متكاملة في غاية الأهمية حيث تسهم في خلق المواطن المتكامل نفسيًا وعقليًا وجسميًا أي تكسبه الانفتاح والمهارت المهنية المستقبلية وتجعله فاعلًا في مجتمعه أيضًا سواء على نطاق المدارس أو الجامعات.
أصبح الاهتمام في مجال الأنشطة الفنية والرياضية في المدارس والجامعات اليمنية الحكومية في السنوات الأخيرة شبه معدوم، أو ليس بالشكل المطلوب.
تبدأ المشكلة في المرحلة الدراسية، فمنذ بداية الألفية الثالثة، لم يعد هناك اهتمام في مجال الفنون، باستثناء بعض الأنشطة الفنية البسيطة التي تندرج تحت بند التدبير المنزلي والأشغال اليدوية التي لا تؤخذ على محمل الجد.
أما في المرحلة الجامعية فالأمر مختلف لكنه ليس بأفضل. حيث يقوم الطالب بدفع مبلغًا سنويًا كرسوم دراسية من ضمنها رسوم أنشطة رياضية وفنية غير موجودة، باستثناء بعض الجهود التطوعية التي تقوم من قبل بعض المدرسين وطلابهم في عمل أنشطة فنية ورياضية فيما بينهم وبدعم مستقل وبشكل محصور.
الجدير بذكره هنا أن الفنون التي أصبحت تسمى حاليًا في المدارس والجامعات اليمنية “أنشطة” كانت مقررة قبل سنوات عدة كمواد دراسية مهمة كبقية المواد الدراسية الأخرى، حيث تتم دراستها كحصص أسبوعية ولها اختبار كالرسم والموسيقى.
يقول مسؤول الأنشطة المدرسية الأستاذ عبد الكريم الضحاك في مكتب التربية في وزارة التربية والتعليم في اليمن، أن المشكلة تكمن في نقص أساتذة الموسيقى والمسرح المختصين في تعليم الأنشطة الفنية، وهو يدرك تماماً أهميتها في تنشئة الطلاب مما يدفع بعض الأساتذة للتطوع لتدريسها بشكل فردي. يقول الضحاك:
«النص الأصلي:لا يوجد معلمين أنشطة فنية. أي لا يوجد معلم مختص في الرسم والموسيقى والمسرح وتعود هذه المشكلة التي نعاني منها لسوء التنسيق بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي.»
هناك بعض المدارس الحكومية التي تهتم بعمل الأنشطة الفنية والرياضية، لكن مدارس أخرى كثيرة لا تهتم في هذا المجال مطلقًا حيث تبرر بعضها بعدم وجود المعلم المختص وأن الأولوية تقع على توفير أساتذة لمواد أخرى قبل الفن. وحتى وإن وجد الأساتذة القادرين على تدريس المواد الفنية، وإن تم تدريبهم، فإن الصعوبات المادية للمدارس ومراكز التعليم تجعل من الصعب دفع أقساطهم، حيث يلعب نقص الدعم المادي دورًا في هذا التراجع الثقافي.
رحيل المعلمين العرب وحرب عام 94
يرى البعض أن رحيل المعلمين العرب الذين كانوا متواجدين بشكل كبير في اليمن في فترة ما بين السبعينات والثمانينات لعب أيضًا دورًا في غياب الفن عن التعليم.
وقد عرفت فترات وجودهم في اليمن بالفترة الخصبة التي انتشرت فيها المنح الدراسية للفنون المقدمة للطلاب اليمنيين إلى روسيا والصين وغيرها.
كما انتشرت الفرق الفنية والمسرح وفرق الرقص الشعبي والفرق الجوالة، ودور السينما، وتواجدت الفرق الغنائية والمسرحية التابعة للجامعة التي عرضت أعمالها على التلفزيون.
يقول أحد المعلمين والمعلمات الذين عاشوا هذه الفترة بأنهم كانوا أحد أعضاء الفرقة المسرحية الجامعية وكانوا يدرسون الموسيقى والرسم في فترة دراستهم المدرسية كمواد من قبل معلمين مصريين ويتم إدراجها ضمن الشهادة المدرسية. ولكن بدأ كل شيء ينتهي تدريجيًا منذ منتصف الثمانينات.
حيث بدأ رحيل المعلمين العرب تحت قرار الاستكفاء بالمعلم المحلي، وبدأ انتشار الجماعات المتشددة وبدء حرب عام 94 (الحرب ضد وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت عليها الأطراف المتصارعة ثم انقلبت عليها وتنص على إعادة بناء الوحدة على أسس سليمة قائمة على المشاركة والتشارك) حيث انتهى فيها الاهتمام بالفنون والثقافة وإغلاق الكثير من دور السينما وتوقف فرق الموسيقى وفرق الرقص الشعبي.
حاليًا، لم يعد هناك أماكن حكومية كثيرة لتدريس الفنون. تتواجد كليتين فقط للفنون الجميلة في الجامعات الحكومية في اليمن، واحدة في مدينة الحديدة والأخرى في مدينة عدن ولا يوجد في العاصمة حيث أغلق آخر المعهد الفني الحكومي في العاصمة المدعوم من الحكومة الصينية قبل حوالي ست سنوات. يوجد حاليًا معهد جميل غانم للفنون في مدينة عدن اليمنية وهو المكان الأخير في عدن الذي يهتم بالفنون والذي تعرض للتدمير في حرب 94 ولكنه لا يزال قائم حتى الآن ولكن بحالة مزرية، حيث يعد هذا المعهد ملكية خاصة مهداة للحكومة اليمنية.
تقول وزيرة الثقافة اليمنية السابقة الأستاذة أروى عبده عثمان:
«النص الأصلي:ساهم الفساد والظروف الاقتصادية والسياسية والجماعات المتشددة والدولة ومؤسسة وزارة الثقافة التي لا تهتم بالفنون وميزانيتها بأقل بـ 1% من ميزانية الدولة ولعبت كلها أدوار رئيسية في إنهاء كل شيء والوصول إلى حالة الإحباط والركود. كنت أنا ووزير التربية والتعليم بصدد إعادة حصة الموسيقى للمدارس ولكن سرعان ما أتت هذه الحرب الأخيرة لتنهي كل ما تبقى.»
وتضيف عثمان في مقال كتبته في يونيو/حزيران 2016 :
«النص الأصلي:اليمن في ألفيتها الثالثة 20166 ، بلا معهد للموسيقى ، بلا متحف ، بلا مسرح مدرسي ، بل ويجرم فيها الأغاني والموسيقى والرقص، إلا من رقصات الحرب والبنادق والعيب الأسود وعقائر الأثوار وكل أنواع العيب القبلي المشيخي، وزخم الإنشاد الديني بل والمذهبي الطائفي مؤخراً..
وزارة الثقافة بجلالة قدرها معها فرقة شعبية يتيمة من بقايا فرق الجنوب قبل الوحدة وتتناقص كل يوم، وعند كل مناسبة “وطنية” تتسلف وزارة الثقافة فرقة الرقص الشعبي للتوجيه المعنوي الذين يكابدون المشقات لاحتمال شظف العيش والمهانة التي لا تليق بإنسان، وفنان.»
فساد وعدم رقابة…
تحصل المدارس والجامعات على مبالغ كبيرة من رسوم الطلاب سنويًا، منها رسوم أنشطة لكن لا يعلم أحد أين تذهب هذه الأموال. كل الأطراف تتهم بعضها البعض، وفي حال ندب المعلم المختص، يتم تحويله لوظيفة أخرى كالمربي أو الأشراف في محاولة للتهرب من الإنفاق المادي على الأنشطة الفنية.
بشكل عام هناك الكثير من الشباب والمعلمين من الجهات الخاصة في اليمن ممن يهتمون بإحياء الفنون والمعارض الفنية في إيمان منهم بأهمية الفن في حياة الناس سواء من ممارسة مواهبهم أو لتهذيب نفسيتهم وأرواحهم والتعبير عن قضاياهم عن طريق الفن بحاجة لبارقة أمل للعودة بها كمواد أساسية في التعليم.
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «لا مكان للفن في اليمن». الأصوات العالمية. 25 أبريل - نيسان 2017.
شارك الخبر:
|