قضية في محكمة إسبانية تختبر التحديات التي تواجه نطاق الاختصاص الدولي في سوريا
الخميس 2 نوفمبر 2017
كُتبت هذه القصة في الأصل لموقع حكاية ما انحكت. يعاد نشرها هنا كجزء من اتفاقية شراكة.
خلال السنوات الماضية لم يتوقف الناشطون السوريون عن المخاطرة بسلامتهم النفسية والجسدية لتوثيق الانتهاكات التي يمارسها نظام الأسد. واليوم، تقول شركة محاماة دولية في إسبانيا بأنه، وبفضل هذه الجهود، فإن “الصراع في سوريا (…) سيكون واحدًا من أكثر الصراعات الوطنية التي يتم توثيقها في التاريخ، بما يفوق توثيق الهولوكوست”. ومع ذلك فإن الطريق نحو نطاق اختصاص دولي ما زال مليئًا بالعقبات السياسية والقانونية.
نطاق الاختصاص الدولي
شكلت الصور التي سربها أحد المصورين السابقين لدى الجيش العربي السوري، والذي عُرف باسم “قيصر”، المصدر الوحيد للمعلومات الذي اعتمد عليه آلاف السوريين لمعرفة مصير أقاربهم وأحبائهم الذين اختفوا. أحد هؤلاء السوريين كان أمل هـ. التي تحمل الجنسية الإسبانية والتي عرفت مصير أخيها، عبد المؤمن، من تلك الصور المسربة. سمح ذلك لمجموعة المناصرة القانونية الدولية “غرنيكا 37 إنترناشيونال جستس شامبرز” أن تعمل على رفع قضية بنطاق اختصاص دولي في إسبانيا ضد الأشخاص العاملين في نظام الأسد المسؤولين عن اختطاف أخيها وتعذيبه وبالتالي وفاته.
ليس هناك تعريف واحد لنطاق الاختصاص الدولي، إذ يبدو بأن التعريفات تختلف تبعًا للأكادميين المختلفين وتبعاً للمعاهدات والقوانين المختلفة المتعلقة به. ومع ذلك فإن أحد التعريفات البارزة لنطاق الاختصاص الدولي تعرف المبدأ على أنه نطاق اختصاص جنائي يعتمد على نوع الجريمة حصراً دون اعتبار لمكان الجريمة أو لجنسية المتهم أو المعتدي المُدان أو لجنسية الضحية أو لأي ارتباط آخر بالدولة صاحبة نطاق الاختصاص. ويعد هذا ذي أهمية خاصة بالنسبة للجرائم الدولية الخطيرة كالتعذيب والمجازر الجماعية والاختفاءات القسرية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وإرهاب الدولة.
ومع ذلك، فقد أخبر محاميتا غرنيكا 37، ألمودينا بيرناباو ومايت باريخو “سوريا حكاية ما انحكت” بأن الأمور في مدريد ليست مثالية. حيث أخبرونا عن المتاهات التي تعيق نطاق الاختصاص الدولي في التشريعات الوطنية الإسبانية، كما حدثونا عن الجهود السورية والدولية التي قادتهم بالنهاية إلى أمل. فقد قام ستيفن جيه راب، السفير السابق للأمم المتحدة لدى مكتب العدالة الجنائية الدولية، بوصل أمل وغرنيكا 37 ببعضهما.
ولكن، وعلى الرغم من الجهود لإبقاء أمل في الخفاء فإن عائلتها في سوريا اضطرت إلى الانتقال من السكن في مناطق يسيطر عليها النظام إلى أماكن يسيطر عليها الثوار، وبالتالي فهم يعيشون الآن تحت القصف ويواجهون خطر الموت يوميًا.
Spanish Court Case Tests the Challenges of Universal Jurisdiction on Syrians (Part I) على يوتيوب
الحيثيات القانونية والسياسية
على الرغم من تمتع أمل بالجنسية الإسبانية فإن قضيتها لم تسر بشكل سلس. فقد قام المدعي العام الإسباني بتقديم طلب عاجل باستئناف قرار القاضي إيلوي فاليسكو بقبول القضية. حيث قام الادعاء بالطعن بقرار اعتبار أمل ضحية، مع أنها خسرت أخاها قسرًا دون أية محاكمة وعانت من تبعات اختفائه لما يزيد عن السنتين إلى أن ظهرت صورة جثته المعذَبة ضمن الصور التي سربها قيصر والتي تعرف إليها ابنه.
تبعًا للقانون الدولي فإن عائلات ضحايا الاختفاء القسري أو القتل دون أية محاكمة يعتبرون ضحايا أيضًا. وتحتوي القوانين الإسبانية على تعريفات فضفاضة للضحايا، خاصة بعد التعديلات الأخيرة عام 2015، في حين يدعم الدستور الإسباني حق الضحية في الحصول على العدالة. ومع ذلك، وبحسب ما شرحت الآنسة باريخو، فإن بعض القضايا السابقة ضد بعض الدول كالصين والولايات المتحدة جعلت الادعاء الإسباني متحفظًا جدًا اتجاه تحركات قضائية كهذه. وقد قاد هذا إلى إصلاحات قانونية (عامي 2009 و 2014) قيدت نطاق الاختصاص في القضايا الدولية بشكل كبير. ومع أن سوريا لا تتمتع بنفس القوة التي تتمتع بها الدول المذكورة آنفًا فإن القوانين ذاتها تنطبق على الجميع. ولكن ذلك لا يعني نهاية الطريق لأنه حتى قضية التيبت ضد الصين قد وصلت إلى المحكمة العليا.
الفيديو 2 (عنوان يوتيوب: قضية في محكمة إسبانية تختبر التحديات التي تواجه نطاق الاختصاص الدولي في سوريا الجزء الثاني؛ المقتطف: الجدل الدائر حول من الضحية، وموقف الادعاء الإسباني السلبي دائماً اتجاه قضايا نطاق الاختصاص الدولي).
مشكلة التوقيف المعقدة
على الرغم من أن نطاق اختصاص دوليٍ وتعريفٍ أكثر شموليةً للضحية يمكن أن يسمحا بأن يتم قبول القضية، فإن إجراءات المحاكمة الفعلية تتطلب أن يكون المتهم محتجزًا أثناءها لكي تُقام في المقام الأول. ومنذ بداية الثورة السورية عام 2011 فقد أخذ المسؤولون التسعة المتهمون في هذه القضية وهم: مدير مكتب الأمن القومي علي مملوك، ونائبه عبد الفتاح قدسية، ورئيس شعبة المخابرات العامة محمد ديب زيتون، ورئيس إدارة مخابرات القوى الجوية جميل حسن، ونائب رئيس الجمهورية السابق فاروق الشرع، والأمين القطري المساعد لحزب البعث الحاكم محمد سعيد بخيتان، بالإضافة إلى اللواء محمد الحاج علي، والعميد جلال الحايك والعقيد سليمان اليوسف، أخذ هؤلاء المتهمون احتياطات إضافية في تمويه أسفارهم خارج سورية. إن هذا يجعل من الصعب جدًا على الشرطة الإسبانية اعتقال أي منهم، إلا أن مجرد قبول الدعوى يسمح بإصدار مذكرة اعتقال دولية بحقهم، مما يحد من تحركاتهم بشكل أكبر ويهدد بمصادرة ممتلكاتهم خارج سوريا.
إن هذا يعني بأن قضية كهذه “ستكون بداية عملية المحاسبة” بحسب ستيفن جيه راب، السفير السابق للولايات المتحدة لدى مكتب العدالة الجنائية الدولية.
في حين أن ضباط نظام الأسد ما فتئوا يمارسون عنفًا ممنهجًا دون أية محاسبة لسنوات، فإن مجرد وجود تحقيق قانوني كهذا سيؤثر في ثقتهم بإفلاتهم من العقوبة وسيشكل عقبة في وجه إرهاب الدولة.
آخر المستجدات
بعد أن تولى القاضي مانويل غارسيا كاستيون القضية خلفًا للقاضي فاليسكو فإن استئناف المدعي العام تم النظر فيه وقبوله من قبل غالبية أعضاء لجنة مؤلفة من قضاة ذوي مستوى رفيع في 21 يوليو/ تموز وذلك لأسباب تتعلق بتعريف الضحية. لم يتم إعلام غرنيكا 37 بتفاصيل هذه الأسباب بشكل رسمي بعد، وفضلت شركة المناصرة عدم التعليق على الحكم بعد.
ومع ذلك فقد أكدت المحاميتان “لسوريا حكاية ما انحكت” بأنه “إن كان قرار المحكمة الوطنية الإسبانية مبنيًا على قرائن تقدم بها مكتب المدعي العام وقام فريقنا القانوني بالطعن فيها فإن القرار قد يكون قابلاً للاستئناف أمام المحكمة الإسبانية العليا”. وأضافت غرنيكا 37 بأن قبول استئناف المدعي العام لا يعني الهزيمة، حيث سيقوم فريقهم القانوني “باستخدام كافة الوسائل المتاحة والموارد القانونية المتوفرة لتحقيق العدالة التي ينتظرها آلاف الضحايا الذين سقطوا في الصراع في سوريا. لا بد أن ذلك يعتبر عثرة ولا شك بأننا خائبو الأمل، ولكننا على يقين بأن هذه ما هي إلا خطوة في الطريق القانوني. إننا واثقون من قوة قضيتنا وأساسها القانوني الثابت والمتعلق بنطاق الاختصاص”.
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «قضية في محكمة إسبانية تختبر التحديات التي تواجه نطاق الاختصاص الدولي في سوريا». الأصوات العالمية. 2 نوفمبر - تشرين الثاني 2017.
شارك الخبر:
|