انتقل إلى المحتوى

هل تعتبر بيروت عاصمة التناوب اللغوي في العالم؟

من ويكي الأخبار

الخميس 22 أكتوبر 2015


كتبت داليا مرتضى هذا المقال والتقرير الإذاعي لبرنامج ذا وورلد. نُشر في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2015 على pri.org وتمّت إعادة نشره هنا بالاتفاق مع الناشر الأصلي.

في ذلك السوق للمنتجات الغذائية العضوية ذات الجودة العالية بوسط مدينة بيروت يتحدث البائعون والزبائن بخليط مشوَّش من اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية.

في محاولة لدفع ثمن العصير عليّ أن أتأرجح بين الإنجليزية والعربية. يبدأ موّظف الصندوق بالعربية: “تفضّلي” قبل أن ينتقل للإنجليزية: “عبوّتان من العصير؟”

بيا بو خاطر معي في السوق. أمام موّظف الصندوق تتنقلّ بين اللغات هي الأخرى: “أعتقد أن لديّ فكّة نقود” تقولها بالإنجليزية قبل أن تكمل بالعربية: “ثلاثة آلاف ليرة”.

تناوب اللغات بتلك الطريقة هو أحد السمات المميّزة لحياة الزوّار واللبنانيين في بيروت.

“عندما أتفاعل مع الناس لشراء الأشياء أو الفصال على السعر مثلًا، نادرًا ما أتنقلّ بين اللغات”. تشرح بيا. “أحاول جاهدة أن أتوصّل إلى اسم ذلك الشيء الورقيّ الأخضر، هل هذا يقابل ذلك في الإنجليزية؟ ثمّ يقفز الاسم بالفرنسية” تضحك، “ثمّ أستسلم. لا، لا أعرف الكلمة الصحيحة بالفرنسية، أرجوكِ لا تعقّدي الأمر.”

التعدّد اللغوي بالطريقة التي تتحدث عنه بيا ليس أمرًا مستغربًا في بيروت. الكثير من الناس هنا يتنقلون بين اللغات بنسبٍ متفاوتة كما تشرح متخصّصة اللغة لبنى دمشقي. “التناوب اللغوّي، ما الذي يعنيه ذلك؟ أن تخلطي بين أكثر من لغة في جملة واحدة أو طوال عملية التفاعل بأكملها” تستكمل الشرح قبل أن تستخدم الكلمة الفرنسية بعفوية لتشكر النادل. تعتبر دمشقي نفسها فرانكفونية، أيّ أنّها تتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة اللغة الأم. لكن هذا ليس السبب الوحيد لاستخدامها “merci”. في لبنان التحيّات وكلمات الشكر والأسئلة عن الحال عادةً ما تكون بالفرنسية. العربية هي النواة، لكن الأطفال يتلّقون التعليم في المدارس بالإنجليزية والفرنسية منذ ظهور مدارس اللغات الفرنسية والإنجليزية مع بداية القرن التاسع عشر تقريبًا بعد وصول مبشّرين الكنيسة الإنجيلية والكاثوليكية، ثمّ خضوع لبنان للحكم الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى حتى أربعينيات القرن العشرين.

ترجّح متخصّصة لغة أخرى هي لينا شويري أنّ عادة خلط اللغات الثلات في الحياة اليومية تمّ اكتسابها بعد ذلك بكثير من الوقت. “أتذكّر استياء أبي من وجودها” تقول. معنى ذلك أن جيل والد شويري تواصل بالعربية فقط، بينما شويري التي ارتادت المدرسة في الثمانينيات عرفت التناوب اللغوي. “كان أبي يكره الأمر كثيرًا، إذا ما حدث أمامه كان ليقول: عندما تبدأ الحديث بلغة تمسك بها! لا تنتقل إلى أخرى!”

بالعودة إلى السوق أجد بيا توافق والد شويري الرأي، فهي ليست مفتونة كثيرًا بفكرة توقّع معرفة الإنجليزية أو الفرنسية من الناس. “ماذا لو أنّ أحدهم لا يعرف اللغتين الزائدتين الدخيلتين على البلاد؟ إنها نوعًا ما عنصرية لغوية.” تقول. علاوة على ذلك، فإن الإنجليزية والفرنسية تمّ فرضهما من خلال قوى الاستعمار والاحتلال، وهما بمثابة بقايا ذلك التاريخ المعقّد.

لكن نظرة دمشقي إلى التناوب اللغوي هذا مختلفة. فالطريقة التي يتنقلّ الناس بها بين اللغات في بيروت – كما تصفها – فريدة، وليست بالضرورة محدّدة بزمن أو عرق. وهي ليست كذلك مقيّدة بالمنزل أو المدرسة أو رفوف العصير في السوق. التعدّد اللغوي بالفعل في كل مكان. يافطات الشوارع بالعربية والفرنسية، مواقع الحكومة الإلكترونية عادة ما تتضمن الإنجليزية، وستسمع الناس تتنقلّ بين اللغات الثلاث طوال الوقت.

هذا ما يجعل بيروت مختلفة عن مدن أخرى كبرشلونة أو القدس أو لوس أنجلس. قد تجد أحدهم في لوس أنجلس يتحدّث الإسبانية في المنزل والإنجليزية في مكان العمل. بينما في بيروت “الكلّ لبناني يتحدث مع لبناني مثله، لماذا إذن كل هذا التناوب في استخدام اللغات؟” تسأل دمشقي. “لن تجد أبدًا شخصين من فرنسا يتحدثان بالألمانية أو الإسبانية أو الصينية إلا إن كان هناك ما يدفعهم لذلك. لكن هنا، إنها طريقة للحديث بشكلٍ ما”

يمزح اللبنانيون مسمّين خليط اللغات هذا “اللغة اللبنانية الأم”، وتؤكّد دمشقي: “عندما تحظى بلسانٍ لبنانيّ، فهذا جزء من هويتك بطريقة ما، أو هذا ما تراه جزء من هويتك.”

هناك حتى قميص يحمل التحيّات الثلاث بالإنجليزية والعربية والفرنسية في عبارة واحدة بلغة لبنان الأم: “هاي. كيفك؟ سا فا؟” تسمّيها صديقتي بيا “العبارة اللعينة التي تلخّص كلّ شيء”.

مصادر

[عدل]